شهداء الحزب

الى صديقي أكرم علي إبراهيم في عيده السنوي / إبراهيم إسماعيل

ها هي أربعون سنة تمضي على لقائنا الأخير.. اشتعل فيها الرأس شيبا ووهن الجسد.. غارت العيون وإنطفأت فيها جذوة الفرح.. غرق الوطن بالدم وأحرقته حروب الشقاة .. تداخلت الرايات وتمزقت أشرعة .. وئدت أحلام قبل أن تنبعث أخرى من الصدور ذاتها التي وقفت متراساً أمام الفجيعة ..
ها هي أربعون سنة تمضي يا أكرم، ولم تزل في الروح والذاكرة، ذاك الفتى النحيل الذي علّمني العناد، والشيوعي الذي حكى لي قصة قوم بسطاء كالحقيقة، سنّوا بالعذاب فؤوسهم فصارت مفاتيح فجر جميل .. وما زلت أجوب معك شوارع الموصل، حيث الأغاني المهربة عن فرح مستلب، وحيث وميض جمرة تتقد ليبصر بها القلب مساره، وحيث الصبايا يشعلن لخضر الياس شموع العشق، عساه يعود فيمحو قهر البداة ويطلق لفرحتهن المدى.
ما زلت أجوب معك يا أكرم حارات الموصل، لنستمع الى حكايات القطارات الملغومة بالمغدورين والى زعيق الجلاد وهو يشتكي من عسف الضحية.. لا زلت أهيم في تلك الحدائق المقفرة باحثا عن زهرة تسقينا رحيقاً يعيد جذوة الأمل، وعن نجمة تعيد علينا حكاية شيوعيين أبحروا رغم العتمة والريح حاملين البشارة. عن فتية تساقط دمهم كالندى فاصطبغت به نوارس البحر وحملته ترياقا لأدواء وطن الموت والظُلمة والظَلمه.
ما زلت أجوب الطرقات علّني ألقاك لأسألك عن آخر حلم لك وأدوه قبل أن يئدوك.. عن آخر وردة اقتلعوها من قلبك قبل أن يضعوا مكانها رصاصاتهم.. عن آخر فراشة كانت تجوب صفاء روحك فاصطادوها قبل أن يحجبوا عن عينيك ضياء الحرية التي عشقت..
ما زلت أجوب الطرقات كثكلى مدماة، لا لأبكيك، ولكن لأتعلم منك ثانية:
كيف عرفت بأن السبيل التي سلكت، مفعمة باليقين، تتواصل فيها أجيال وأجيال حتى ينهض العراق من تحت الرماد وطنا يستحقه ناسه ويستحقهم.
أجوب الطرقات يا أكرم بحثا عنك، وحين لا أجد لك قبرا، أضع قلبي عند أول زهرة أراها، عساه يلقاك ويدعوك إلى أن تعود لنشرب الشاي سوية في مقهى (ستار) ونجوب شارع حلب ونوزع الجريدة على المارة ونطلق حناجرنا بالنشيد ـ اليقين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكرم علي إبراهيم من أهالي النعمانية درس في كلية الأداب جامعة الموصل واستشهد على أيدي العفالقة في الثمانينات من القرن الماضي.