شهداء الحزب

ذكراك في الوجدان والضمير..أيها الرفيق الجميل جمال عاكف / كاظم فرج العقابي

قد يتردد المرء احياناً عن الكتابة بحق شخص ما، يكن له كل الحب والتقدير لمكانته في نفسه وما جسده من مآثر حفرت نفسها في ذاكرته لا يمكن ان ينساها ابدا، فيرى ان الكتابة عن هذه الشخصية قد لا ترتقي الى مكانته وما تركه من انطباعات في نفسه، فالكلمات قد تبدو دون مقامه، وخجلى امامه لاسيما الشهداء منهم لانهم اجادوا بانفسهم، وهذا اقصى غاية الجود.
اتذكر انني قد سرحت من الخدمة العسكرية المكلفية في نهاية عام ١٩٧٧، بعد ذلك بفترة قصيرة كلفت من قبل المنظمة الطلابية ان اتولى قيادة خلية اعضاء كان قوامها من خمسة رفاق، وكان ما يميز احدهم هو صغر سنه، وكان في حينها لا يزال طالبا في الجامعة المستنصرية اسمه جمال عاكف، هادئ الطبع، وسيم الطلعة، خجول مقتصد في كلامه، كان له وجه متورد وضاحك، وملامح متناسقة، يكن له رفاقه كل الحب والاحترام ورغم حداثة انتسابه الى صفوف الحزب، كان يتميز بالضبط والالتزام وتنفيذ كل ما يكلف به من مهمات .
اقترح جمال ان يكون الاجتماع الاول للخلية في بيته الكائن في احد الاحياء السكنية القريبة من الجامعة المستنصرية.
وعند وصولنا بالتتابع الى مكان الاجتماع في الوقت المحدد كان والده يقتعد كرسيا عند باب الصالة حيث رحب بنا بحفاوة بالغة، وما ان انتهى اجتماعنا الاول حتى عرفت منه ان له اخا يعمل في مجلة الفكر الجديد وله اخ طبيب مقيم يعمل في مستشفى الطوارئ.
استمرت علاقتي بالخلية لمدة شهرين وبعدها كلفت بعمل حزبي آخر وانيطت مسؤولية الخلية باحد الرفاق من المنظمة القيادية، وانقطعت الاخبار بيننا لاحقا، لاسيما عندما تصاعدت الحملة القمعية التي شنها النظام الدكتاتوري الفاشي ضد حزبنا ولجوء الحزب الى اشكال تنظيمية جديدة (خيطية)، وسافر من سافر واختفى من اختفى واعتقل من اعتقل واعدم من اعدم .
لا اعرف لماذا بقيت صورة جمال عالقة في ذهني؟ هل لانه اصطحبني ذات يوم الى شقيقه الدكتور حسان الطبيب المقيم في مستشفى الطوارئ ليدبر لي اجازة مرضية عن العمل لمدة اسبوعين لحاجتي الماسة اليها في تلك الظروف الصعبة، على اساس اني اشكو من كسر في الساعد الايسر، حيث استقبلنا الدكتور حسان بكل ترحاب ومودة، وبينما كان (يجبس) ساعدي الايسر كانت الابتسامة لا تفارق ثغر جمال وروحه المرحة ووجهه الذي ينز وسامة .
وفي يوم كالح علمت بالاستشهاد البطولي للرفيق جمال بعد سنوات من التحاقه بالحركة الانصارية بعد ان ترك دراسته الجامعية، في حينها خنقتني عبرتي وغصة حزن واسى انتابتني، وقشعريرة سرت في جسدي فبكيته من الاعماق.
لقد ترك جمال باستشهاده صفحة نضالية منيرة في تاريخه الحزبي وتاريخ حزبه مع رفاق الدرب، فكان مفخرة لأهله ولحزبه ولكل من عرفه .
كنت وما تزال ايها الرفيق تاجاً على رؤوسنا ونبراسا تضيء الدرب مع شهداء الحزب لمواصلة النضال من اجل الاهداف التي ضحيتم بالغالي والنفيس من اجلها . ستبقى ذكراك في الوجدان والضمير ندية عطرة .... ايها الرفيق الجميل.