شهداء الحزب

"خلق سعدون ليكون شيوعياً" / محمد جاسم اللبان*

الرفيقات والرفاق الأعزاء الحضور الكرام
يتميز بعض الرفاق عن الآخرين من أقرائهم، بعطائهم الثر، ونكران ذاتهم، إلى حد التماهي مع القضية التي آمنوا بها، لأنهم جبلوا من طينة خاصة، سداها ولحمتها تفضيل مصلحة الجماعة على مصالحهم الذاتية، مقروناً بسمو أخلاقي رفيع المستوى، وإدراك عميق تشربته كل مسامات العقل ومسارب الروح. بأن الأنسان لا تكتمل إنسانيته، إلا عندما يضع هدفاً واضحاً ونبيلاً نصب عينيه، وليس هناك أنبل ولا أشرف من هدف النضال في سبيل حقوق الناس وطموحاتهم، والسعي لتحويل أحلامهم إلى واقع عملي، يعيشونه بكرامة وحرية وسعادة حقيقية.
إن هؤلاء الرفاق يجسدون البطولة بأسمى معانيها وأجلى صورها، فهم القدوة والنموذج، بل المثل الأعلى لكل من سار في هذا الدرب الوضيء والمشرف، درب المناضلين من أجل الوطن الحر والشعب السعيد.
الشهيد "سعدون" كان يتقدم الصفوف دائماً في مسيرة نضالية حافلة بكل أنواع البطولات الجماعية والفردية. فلم يبلغ الثامنة عشرة بعد، حين أضطر إلى مغادرة الوطن إثر الهجمة الفاشية الشرسة لقطعان البعث على الشيوعيين والديمقراطيين، وعلى كل من رفض الأنصياع لمحترفي القتل والجريمة. لكنه سرعان ماقطع دراسته المهنية. إستجابة لنداء الحزب، وإلتحق بصفوف حركة الأنصار الشيوعيين. ومنذ ايامه الأولى فيها، برزت بشكل لا تخطئه العين، سماته القيادية، ومواهبه العسكرية، وأصبح قائداً أنصارياً فذاً، يجمع بين الحكمة والشجاعة، بين التخطيط السليم للعمليات، والأندفاع الثوري لرفع راية الحزب، في ساحة نضالية، تقدس الأعمال والفعاليات النوعية، التي تشكل أيدي القوات الحكومية والجحوش، وتحمي جماهير كردستان الكادحة سواء في المدينة أم في الريف.
وإذا كانت حركة الأنصار السوفييت، تفخر بقادتها الذين خلدهم التاريخ، أمثال "بوديوني وكوفباك" وغيرهما من القادة البواسل، لحركات الأنصار في مختلف بقاع العالم، يحق لنا أيضاً أن نفتخر ونعتز أيما إعتزاز، بما قدمه الشهيد "سعدون" ورفاقه من قادة حركتنا الأنصارية، حيث ذاع صيتهم، وإنتشرت أخبارهم إنتشار النار في الهشيم ، وإرتفعت سمعتهم لتعانق الشمس في عليائها، ولتخط صفحة هي الأكثر نصوعاً في عملية التصدي للنظام الدكتاتوري المقبور، الذي لم يتعفف عن إتباع أية وسيلة مهما كانت منحطة، للتخلص منهم وتصفيتهم، ورصدت أجهزته الأستخبارية والأمنية جوائز نقدية مجزية لمن يأتي بهم أحياءً أو أمواتاً.
وعندما نجحت إنتفاضة عام 1991 في كنس نظام "صدام حسين" وأجهزته القمعية من أرض كردستان، برزت سماته القيادية ومواهبه من جديد في العمل الحزبي والسياسي، فكان يدير العلاقات مع القوى والأحزاب الكردستانية والعراقية، بأفضل ما يكون. وفي داخل حزبه تحول إلى أيقونة لايكف الجميع عن ترديد إسمه، وصارت مبدئيته العالية وتواضعه الجم، وحرصه اللامتنا هي على راحة الرفاق وتوفير كل ما يحتاجونه، مضرب المثل بين الشيوعيين وأصدقائهم وجماهير المنطقة.
لقد رافقت الشهيد "وضاح" قبل السقوط وبعده، وعملنا سوية في أكثرمن مجال، وتعلمت منه الشيء الكثير، رغم أنه أصغر سناً مني بكثير، لكن سماته القيادية وخصاله الذاتية، كانت متفجرة وتشع في كل الأتجاهات لتنير دروب النضال حتى المعقدة والمستعصية منها. كانت الأبتسامة لا تفارق ثغره حتى في أصعب اللحظات وأشد المحن قساوة، وذلك لأنه إمتلك عقلاً استراتيجياً، أتاح له القدرة على إيجاد الحلول السريعة والمناسبة لكل المشاكل التي واجهتنا سواء في العمل الحزبي أم الجماهيري أم الديمقراطي.
لم أره غاضباً في يوم من الأيام، ولم أسمع أنه قال كلمة قاسية لأي من الرفاق، صغيرهم وكبيرهم. كان يجسد ببراعة مقولة الثائر الأسطوري "جيفارا" ..(مارس القيادة دون أن تأمر).
كانت له ذاكرة كومبيوترية، ولا ينسى شيئاً، ومع ذلك كان يدون كل شيء ويخطط لكل شيء. وخلال عضويته في المكتب السياسي لحزبنا الشيوعي العراقي، وقيادته للجنة التنظيم المركزية، أولى مهمة خلق الكوادر الحزبية وتأهيلها وتوزيعها جل إهتمامه، فكان يوزع المسؤوليات بعدالة وإنصاف، ويشجع الرفاق الذين يقودهم على إظهار كفاءاتهم، وتطوير ملكياتهم، ليكونوا بمستوى هذه المسؤولية، وليقدموا أقصى ما يستطيعون لخدمة حزبهم وشعبهم.
كان في قمة عطائه، ويأمل الحزب منه الشيء الكثير، عندما جرى إغتياله مساء يوم 13/ 11/ 2004 في الطريق على كركوك، على أيدي عصابات البعث والقاعدة وكل أعداء الحياة.
الحديث عن البطل "أبي كفاح" لا تسعه مجلدات، لكني أختصر ذلك بعبارة واحدة (لقد خلق سعدون ليكون شيوعياً).
ـــــــــــــــــــــــــ
*
عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي