اعمدة طريق الشعب

لماذا نأخذ من التراث أسوأه؟ / مرتضى عبد الحميد

ما أبلغ الحكمة التي أطلقها ذات يوم شاعر داغستان العظيم رسول حمزاتوف، حين قال ( أذا أطلقت مسدسك على الماضي, فسيطلق المستقبل عليك مدافعه). وهذه الحكمة وثيقة الصلة بالتراث الشعبي والرسمي للبلد المعني.
والتراث مفهوم واسع جدا, يشمل الماضي بقضه وقضيضه, ما يعني انه يضم بين دفتيه الصالح والطالح, الجيد والسيئ, المفيد والضار. ويتوقف مدى الاستفادة منه, وتوظيفه إلى جانب الخير والمحبة , وتقدم ورقي الأوطان, على مدى سوية الحاكم وسعة صدره, وأفكاره النيّرة.
في عراق الحزن والسواد والقتل على الهوية نرى العكس تماماً, فأغلبية الحكام والمحكومين على السواء, لا يعجبهم من التراث إلا أسوأ ما فيه! وهذه معضلة كبرى, ذات طبيعة فكرية, تتعلق بفاعلية العقل, وبالمنهج المتبع, وطريقة التفكير المنبثقة عنه.
قد تكون الأمور سهلة وذات تأثير محدود لدى الفرد العادي, لكنها ستكون كارثة حقيقية أذا تبناها المسؤول أو السياسي, لا سيما اذا كان متنفذاً وبيده الحل والربط كما يقال. لان القرار الذي يتخذه في أي ميدان من ميادين الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الدينية, سيكون وثيق الصلة بآلاف الناس الآخرين, فيؤثر على حاضرهم وربما على مستقبلهم أيضا, تأثيرا سلبيا, وسيقود إلى مزيد من التشرذم والتدهور, والانحدار السريع إلى الهاوية.
ما أود الإشارة إليه, ذو علاقة بحكومتنا (العتيدة) التي لم تكتف بفشلها في اغلب الملفات المناطة بها, أو التي يفترض أن تعالجها, وتضع الحلول الناجعة لها, وإنما انتقلت إلى استخدام أسوأ ما درجت عليه الأنظمة الدكتاتورية, خاصة نظام صدام حسين المقبور, في التصدي للمتظاهرين السلميين, الذين يطالبون منذ عشرة أشهر بإصلاح العملية السياسية, وهي التي يعترف حكامنا الأشاوس قبل غيرهم, بأن فيها من العيوب والثقوب ما يتيح مقارنتها بالغربال, وليس بشيء أخر.
في الجمعة الماضية الدامية, شمرت الحكومة وأجهزتها الامنية عن سواعدها, لتمارس «شجاعتها» على المحتجين العزل, رغم أن ما قام به المحتجون ليس محبذا, ولا هو المطلوب قطعا, رامية القنابل المسيلة للدموع عليهم أولا, ومستخدمة الرصاص الحي تالياً, ليستشهد ثلاثة من المتظاهرين, ويصاب العشرات, بعضهم جراحه خطيرة, دون أن يكلف المتنفذون أنفسهم بالتحري عن الأسباب الحقيقية لهذا الغضب الجماهيري, الكامنة في استمرارهم في التسويف والمماطلة, والخداع المنظم, ودون أن يحققوا ولو شيئا بسيطا مما وعدوا جماهير الشعب به. بل واصلوا السير في طريق التراجع والتردي وسوء الإدارة, والتشبث بالمحاصصة المجرمة, فكان «حسن الختام» شلل أهم مؤسستين في الدولة, هما الحكومة والبرلمان.
أن هؤلاء المتنفذين سيقعون في وهم قاتل, إذا تصوروا ان هذه الأساليب القمعية, ستدفع الناس إلى الخنوع والركوع, وان بإمكانهم استعادة دور «القائد الضرورة». وإنما سيكون العكس هو الصحيح, فحياة العراقيين فتحت أبوابها ونوافذها على الجحيم, منذ تولى المتحاصصون السلطة, وخصوصا في السنوات الأخيرة, وبالتالي ليس أمام شعبنا العراقي المعروف عنه بأنه يمهل ولا يهمل إلا مواصلة حراكه الجماهيري السلمي الديمقراطي, لإجبارهم على التسليم بحقوقه المشروعة. وقد ينفجر البركان على حين غرّة, إذا بقي العقل السياسي الحاكم مصرا على أقفاله, والى أشعار أخر.