اعمدة طريق الشعب

ماذا جنينا من رفع الأسعار في المؤسسات الصحية؟ / د. سلام يوسف

لعل وزارة الصحة أسرع الوزارات في تطبيق المادة(25) من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2016، والتي تنص على ان: "للوزارات كافة والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات، صلاحية فرض رسوم أو أجور جديدة وتعديل الرسوم وأجور الخدمات الحالية وفق تعليمات يصدرها الوزير المختص. لغرض تغطية نفقات السنوات السابقة .. على أن يتم أشعار وزارة المالية ..الخ". بحيث جاءت الإجراءات سريعة جداً (يعني سلقوها ع السريع)، والنتيجة أن المرضى وذويهم تفاجأوا بأسعار الخدمات الطبية والتي لم تخطر لهم حتى في منامهم، كونهم ناموا وهم مطمئنون الى أن الدستور ينص على ان تقدم الدولة الرعاية الصحية وتؤمّن المتطلبات الايجابية لصحة المجتمع.
وتم التنفيذ، وأصبحت أجور الخدمات التي تقدمها مؤسسات وزارة الصحة (أي مؤسسات الدولة التي مصدر ميزانيتها هو النفط الموجود في باطن ارض العراقيين والذي يُفترض ان يكون ملك جميع العراقيين)، عبئاً لم يُحسب له حساب حتى في أحلك الظروف الاقتصادية التي مر بها البلد، وثقلاً مضافاً على كاهل المواطنين عديمي الدخل او ذوي الدخل المحدود، وهم يشكلون الجزء الأعظم من أبناء الشعب.
فماذا نتج عن الوضع الجديد الذي أصبح فيه حتى القاء التحية والسلام في أروقة مؤسسات الدولة الصحية مقابل ثمن؟
نتج عنه عزوف أعداد غير قليلة من المواطنين عن مراجعة تلك المؤسسات، وهذا عملياً يعني أن حالاتهم ستتحول الى إستعصاءات صحية يصعب علاجها فيما بعد، وتعني شرخا إضافيا جديدا في هيكل صحة المجتمع من خلال انتقال عدوى الأمراض الانتقالية والمشتركة. وتعني ثالثاً فقدان بوصلة الرصد والإحصاء الوبائي الذي يُعد العمود الفقري في أي نظام صحي في العالم، حيث عليه انه وبه ومنه يتم رسم السياسة الصحية للبلد، وبناء الخطط الإستراتيجية القريبة والمتوسطة وبعيدة المدى. كما تعتمد على تلك الإحصاءات سياسة البلاد في استيراد الأدوية والعلاجات واللقاحات، بل وتعتمد عليها الطاقات التخزينية الإستراتيجية لكل ما يتعلق بصحة الشعب، وتأمين المستلزمات الصحية والطبية على المَديين القريب والبعيد، تحسباً، وهذا ما تعمل به كل دول العالم.
ونتج عن ذلك ايضاً ان أعداداً أخرى غير قليلة من المرضى لجأوا الى مكاتب الشعوذة والدجل وتغييب العقل والوعي.
وليت الأمر ينتهي بمراكز الرعاية الصحية الأولية أو المستشفيات والمستشفيات التخصصية والعيادات الشعبية ومراكز التأمين الصحي في القرى والأرياف، فهو تعدى ذلك الى الأجور المستوفاة من أصحاب المطاعم ومعامل انتاج المواد الغذائية مقابل إرسال النماذج الغذائية إلى الفحوصات المختبرية، حيث أصبحت عدة أضعاف. مما تسبّب في امتناع أصحاب المعامل والمطاعم عن التعاون مع فرق الرقابة الصحية، وبالتالي تسرب مواد غذائية الى الأسواق المحلية وتناولها من قبل المواطنين من دون فحص أو على الأقل من دون متابعة صلاحيتها للاستهلاك!
ومما يؤسف له ان زيادة الأجور التي نفذتها وزارة الصحة لم ترفع من نوعية ومستوى الخدمات المقدمة للمرضى، بل بقي الحال كما هو عليه إن لم يكن أسوأ.
كنا نأمل ان تكون إجراءات وزارة الصحة في محاصرة الفساد والمفسدين ومن ثم القضاء عليه وعليهم، بنفس (الهمّة) و(السرعة) التي خططت بها وأقرت ونفذت إجراءاتها غير المدروسة، والتي اضرّت كثيراً.