اعمدة طريق الشعب

تحرير الفلوجة ينهي أسطورة داعش / مرتضى عبد الحميد

في كتاب «صناعة رئيس» وأنت تقرأه بإمعان ثم تعيد قراءته، تنمو في داخلك بذور الدهشة، وسط أعشاب الشك، وعدم الثقة المسبقة بإيديولوجي الرأسمالية وإعلامييها، الذين يبذلون جهوداً محمومة، ويستخدمون أساليب غاية في الدهاء، لحماية نظامهم والسعي لتأبيدة، على حساب جوع وإملاق شعوبهم، وشعوب الأرض كلها.
من بين هذه الأساليب، كيفية انتقاء الممثل الأنسب، القادر على تجسيد مصالح الاحتكارات والرأسمال المالي، وان كان حديث عهد بالسياسة، ولا يملك الخبرة الكافية ليكون رئيساً أو نائبا للرئيس، ولذلك يدخلونه العديد من الدورات التأهيلية، ويزجونه بمهمات تساعده على اكتساب الخبرة، ومراكمتها ثم يأتي دور التلميع والتسويق والتدريب، حتى على أبسط الأمور كاللفتات والإشارات، وحركات اليدين، و نوع الابتسامة، والسحنة التي يتخذها في المواقف المختلفة، ليجلس في نهاية المطاف على الكرسي الثمين لأربع سنوات أو ثمان.
وهذا السيناريو ينطبق إلى حد كبير على صناعة المنظمات الإرهابية، وبضمنها «داعش» رغم أن العوامل الموضوعية ومعاناة الشعوب، لها حصة الأسد في ظهور هؤلاء الوحوش، وإحاطتهم بما يشبه الأسطورة.
وكلنا يتذكر الدعاية المبالغ فيها حد التهويل والكذب الصريح، عند ظهور «داعش» في أنها قوة لا تقهر، ولديها من الخبراء الستراتيجيين، والقادة العسكريين العباقرة، ما لا يملكه الجيش الأمريكي، وعقيدتها الجهادية لا يقف في طريقها بشر أو حجر، وبرروا سقوط الموصل، ومدننا العزيزة الأخرى، بهذه الفرية الكبرى، رغم أن عقل طفل رضيع لا يستطيع أن يهضم هروب أكثر من خمسين ألف عسكري أمام بضع مئات من سفاحي «داعش» وترك ما قيمته (22) مليار دولار من الأسلحة الثقيلة والمعدات، لتكون مصدر قوة «داعش» وتمددها في المدن والمحافظات الأخرى.
لكن تحرير صلاح الدين وبيجي وسنجار والانبار والفلوجة، أظهر الحقيقة المدفونة تحت أكوام الدجل والنفاق، والرغبات المريضة في استخدام هذه الورقة للحصول على مكاسب أنانية ضيقة، على حساب الوطن والمعاناة الرهيبة لجماهير الشعب.
لقد كان واضحا ومنذ البداية، أن احتلال «داعش» مدناً وأراضٍ واسعة في كل من سوريا والعراق، بل ظهورها أصلا، ليس مرده قوتها الفعلية، أو شعاراتها، أو قدرتها على استقطاب المجرمين والمتخلفين والمرضى النفسيين من شذاذ الأفاق، الى صفوفها، وإنما اكتسبت قوتها، وتمددها بسرعة البرق، من ضعفنا، ومن هُزالة نظامي البلدين، وتواطؤ مسؤولين كبار خصوصاً في العراق، فضلاً عن الدعم والمساندة الكاملين إقليمياً ودولياً.
وعندما توفرت مستلزمات التصدي لقطعانها في حدها الأدنى، بإزاحة السياسيين والعسكريين المسؤولين عن النكبة، والتلويح بإصلاح العملية السياسية تحت ضغط الحراك الجماهيري، وتوحيد جهود المقاتلين، بدأت عملية انهيار «داعش» بسرعة ملفتة للنظر، وها هي عاجزة عن الوقوف أمام قواتنا المسلحة الباسلة، والحشدين الشعبي والعشائري، وأخر الانتصارات تحرير الفلوجة، أهم معاقلها ورمز وحشيتها، ونقطة وثوبها صوب بغداد ومحيطها.
أن أسطورة «داعش» سوف تنتهي قريباً، ويتحرر كامل ترابنا من دنسها، لكن الأهم هو محاربة فكرها المتطرف، وكل فكر تكفيري، بتعميق الممارسة الديمقراطية في بلدنا، ومكافحة الفساد والمفسدين دون هوادة، والانتهاء من المحاصصة الإجرامية، وتوفير العيش الكريم للعراقيين، الذين طفح الكيل بهم، ولم يبق في قوسهم من منزع.
فهل تستثمر الكتل المتنفذة والسيد العبادي، هذه الانتصارات الرائعة للقيام بإصلاحات تطالب بها الجماهير الغفيرة منذ سنة تقريبا ووعدوهم بتلبيتها أكثر من مرة؟ أم سيفوتوا هذه الفرصة الجديدة أيضاً، ويظلوا مثل طير مهيض الجناح، لا يستطيع أن يفارق عشه وعشهم هو المحاصصة الطائفية الاثنية؟!