اعمدة طريق الشعب

عيد الناس / قيس قاسم العجرش

كأن الناس عرفوا منذ سحيق الزمان أن أيامهم لن تصفو كلها أبداً، وأن النحس والأيام الحزينة ستلازمهم أين ما بحثوا عن الفرح. فصارت القاعدة أن يتخذوا عيداً ثابتاً. كأنهم يقولون لأنفسهم: تعالوا نجعل الفرح أمراً حتمياً ثم سنعين بعضنا البعض على تحمّل أيام الحزن والكآبة.
في ثانوية المتميزات الحكومية، كان هناك فرح من نوع آخر. ظهرت نتائج الدراسة الابتدائية، وبرز من بين عشرات الآلاف من الطالبات والطلاب في بغداد من حاز على معدلات عالية، وهؤلاء سيكون مكانهم الطبيعي اللاحق مدارس المتميزين والمتميزات، ما لم يقرر أهلهم أن يدخلوهم الى مدارس أهلية.
التجربة مضى عليها أكثر من عقدين من الزمان، ومع هذا فهي تؤتي نتائجها. عدد كبير من الدراسات والخبراء قالوا أن وضع التلاميذ المتفوقين والموهوبين مع الآخرين الأقل منهم في المستوى الإدراكي والعلمي ومستوى الذكاء هو أمر فيه الكثير من هدر فرص التميّز.
لكن مع هذا، فقد اشتُرط لنجاح التجربة أن تتوافر لها عدالة خط الشروع الواحد، والحد الأدنى من الفرص المتساوية للجميع. عندها يمكن تمييز «الطالب المتميز» وأن تقدم له المدراس جرعة أعلى من المحتوى العلمي والدراسي، وستكون النتائج مبهرة بعد سنوات، هذا هو مختصر المشروع.
رغم كل غمام الألم والفوضى، مازال هنا الكثيرون يؤمنون بأن توفير فرص التفوق لأبنائهم هو أمر مثمر ومنتج، وليس بطراً. هؤلاء (وأنا اشاطرهم ايمانهم) بالحقيقة ينطلقون من دافع ذاتي صحيح، لكنه يضمن توفير عقول بارزة للمجتمع في قادم السنين. صحيح انهم يبتغون الرفعة لأبنائهم والدراسة المتميزة، لكنهم بذلك يذخرون لبلدهم ذخيرة حية نافعة في المستقبل القريب. لن تكون هناك تنمية في المستقبل مالم نبدأ من اليوم بتهيئة هذه العقول الصغيرة والواعدة.
الفرحة في اقبال العوائل التي برز فيها تلاميذ متميزون على التقديم لمدارس المتميزين تكشف حبّاً من نوع خاص للبلد وللفرح وللغد الأجمل.
هذا الحب، المصاغ بشكل فرحة نادرة في ايامنا هذه، تشكل علامة طريق لا غنى عنها لنفهم الآن كيف يبنى المستقبل. مستقبل متميز ومليئ بالفرح، ويشبه وجوه الطلبة المتفوقين وهم يتخطون عتبة مدارسهم الجديدة لأول مرّة. بقي أن نتذكر ان هناك جندي قد لا يكشف عن وجهه، انه المعلم الذي صنع من تلاميذه هذه الصورة الفرحة ولم يطلب لنفسه اي شيء استثنائي.