اعمدة طريق الشعب

العاقل من إتعظ بغيره! / مرتضى عبد الحميد

يبدو أن لغة الانقلابات العسكرية، والوصول إلى السلطة عن طريق العنف لم تطو صفحتها، وتصبح من مخلفات الماضي، إلا في الدول الأكثر تحضراً، والأعرق ديمقراطياً. أما في بلداننا، فالحنين إلى هذه «اللعبة» مازال مغرياً، وأخرها ما حدث يوم الخميس الماضي في تركيا، رغم أن الأوضاع فيها، لا يمكن مقارنتها بما يجري في العراق إلا لمن يريد أن يجمع الثرى والثريا على سطح واحد.
إن محاولة الانقلاب في تركيا، جاءت على خلفية ارتداد «أردوغان» والحكومة التركية عن الفكر الإسلامي المعتدل، الذي بشروا به في السنوات الأولى من حكمهم، وسعيهم إلى أسلمة المجتمع التركي تدريجياً، وتبني «داعش» ومساعدتها بكل ما تحتاجه، وما رافق ذلك من قمع للمتظاهرين واعتقال العشرات منهم، والتضييق على الصحفيين ووسائل الأعلام المختلفة، والتنكر لحقوق القوميات الأخرى، وخاصة القومية الكردية، رغم التقدم الاقتصادي والرفاه النسبي الموجود هناك.
لكن الحقيقة المرة، تظل تقض مضاجع الحكام، مهما تفننوا في التمويه والخداع، ولا بد من الاصطدام بجدارها الصلب، ليصحو من يصحو، ولتأخذ العزة بالإثم، من أقفل عقله برتاج التعصب، والأنانية والتعالي على الآخرين.
لو أراد بَطرٌ أو أحد وعاظ السلاطين مقارنة أوضاعنا في العراق، بالأوضاع في تركيا سيجد هو نفسه أنها مقارنة مختلة، ولا جامع بينهما، فلا تقدم اقتصادي في العراق بل تدهوراً لم تشهده، حتى جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية التي كانت مستعمرة من قبل الشركات الاحتكارية الأمريكية والغريبة.
وفي قطاع الخدامات لم يبق شيء يعتد به، وصارت بغداد تتذيل قائمة المدن الأكثر سوءاً، والأقل نظافة في العالم، أما الفساد المالي والإداري والسياسي فحدث ولا حرج ، دع عنك الإرهاب وما يفعله بالشعب العراقي، وما حدث في الكرادة مؤخراً ومئات الأعمال الإرهابية الأخرى، تكفي لاستقالة ومحاكمة عشرات الأطقم الوزارية والمسؤولين، لكن العراق مستثنى مما يجري في بلاد الله الواسعة، فلا أحد يستقيل أو يحاكم، ويتم الاكتفاء بزيارة موقع الجريمة، وبالاستعراضات العسكرية الباهتة، ثم تسجيلها ضد «داعش» أو ضد مجهول!
على هذه الخلفية المأساوية، ومعها الإجراءات القمعية والتضييقات على المتظاهرين والمشاركين في الحراك الجماهيري، يمكن أن يتحفز البعض ويتشجع لتكرار ما حصل في الجارة الشمالية، بالإضافة الى الاحتمالات السيئة الأخرى، فشهوة السلطة والتنعم بمغانمها، لا يقتصر على من يمسك ألان بزمامها، الأمر الذي يتطلب العودة إلى العقل وتشغيله، بعد أن أنطفأ محركه لفترات طويلة، وتلبية مطالب الشعب، وخاصة فئاته الاجتماعية الكادحة.
أيها المتنفذون الأشاوس، إذا لم تكونوا حريصين على شعبكم وتلبية مطالبه كما عودتمونا دائماً، فعلى الأقل أحرصوا على معشوقتكم الغالية المحاصصة الطائفية والحزبية، وحققوا بعض الإصلاحات لعلها تشفع لكم.