اعمدة طريق الشعب

قانون حرية التعبير ومعارضوه / مرتضى عبد الحميد

منذ إقرار اول دستور في العراق عام 1925، كانت حرية التعبير والمعتقد هي المعضلة الاساسية، التي واجهت المشرعين والحكومة والرأي العام العراقي، لانها المنطلق والبداية السليمة لتأسيس دولة عراقية ديمقراطية حديثة.
بيد ان هذه القضية ليست معلقة في الهواء، او خاضعة لمزاج هذا الحاكم او ذاك، وانما تخضع في الاساس الى المصالح الطبقية والسياسية لقادة البلد، والحلف الطبقي الذي يستمدون منه قوتهم وشرعية وجودهم، بالاضافة الى وجود المستعمرين الانكليز في تلك الحقبة من تاريخ بلدنا.
لهذا تضع النخب الحاكمة في سلم اولوياتها كيفية الحد من حرية التعبير والمعتقد وسائر الحريات السياسية والمدنية، لمعرفتها بخطورتها ونتائجها على النظام السياسي – الاجتماعي القائم آنذاك. وقد تفاقمت هذه الحالة طردياً مع ارتفاع مستوى الوعي السياسي للجماهير العراقية، وخصوصا عقب تأسيس حزبنا الشيوعي العراقي.
وكان النظام الملكي قد شرع في عام 1938 قانون العقوبات البغدادي وبضمنه المادة (89 أ-) التي نصت على تحريم الشيوعية والحكم بالاعدام على العسكريين المنتمين الى الحزب الشيوعي وبالاحكام الثقيلة على المدنيين.
ولم تتغير هذه اللوحة السوداء الا في السنة الاولى لثورة 14 تموز 1958، لتعود الامور تدريجياً الى سابق عهدها وتتوج بانقلاب 8 شباط الفاشي، الذي لم يكتف بمصادرة الحريات فقط، وانما صادر حياة الآلاف من خيرة ابناء وبنات الشعب العراقي من شيوعيين وديمقراطيين وتقدميين، وسجن وعذب عشرات الآلاف منهم.
وفي عهد العارفين كرّت المسبحة من جديد، لتصل في النهاية الى صدام حسين ونظامه الاجرامي، الذي صفى جسدياً حتى كوادره المدنية والعسكرية، وبينهم خمسة من اعضاء القيادة القطرية، لانهم اختلفوا في الرأي معه لا اكثر.
لقد كانت تلك الفترة من اشد الفترات ظلاما وهمجية في تاريخ العراق القديم والحديث، ولهذا استبشر الناس خيراً بسقوطه، آملين ان يعوضهم النظام الجديد ما فاتهم في زمن الطغاة السابقين.
لكن الحكام الجدد خيبوا آمال الملايين في كل شيء، واخطرها واسوأها موضوعة حرية التعبير والقانون المزمع اصداره. فبعد تأخيره في ادراج مجلس النواب لسنوات، ادخلت عليه تعديلات تهدف الى افراغه من محتواه، ومنها على سبيل المثال تحديد وقت المظاهرات من السابعة الى العاشرة مساء، في محاولة مقصودة لمنع الاعتصامات والاضرابات ومنع البقاء فترات اطول في ساحات الحراك الجماهيري. كذلك النص على اخذ موافقة رئيس الجهاز الاداري من قبل الشخص الطبيعي فقط وليس المعنوي، مما يعني حرمان الاحزاب والمنظمات والاتحادات. كما ادخلوا فيه الحبس والاعتقال لسنوات بدل الغرامات كما هو الحال في بلدان العالم الاخرى، فضلا عن عدم وجود نص صريح يمنع الاجهزة الامنية من استخدام القوة ضد المتظاهرين والصياغات الفضفاضة عن الآداب والنظام العام.
واضح تماماً ان كتلاً كبيرة في مجلس النواب تعمل على منع اجراء تعديلات جوهرية على بعض بنود القانون، لانها تزعجهم وتهدد مصالحهم ومكاسبهم الانانية، التي يصر مناضلو الحراك الجماهيري على تجريدهم منها واعادة الحق الى اهله الشرعيين، ابناء الشعب العراقي.