اعمدة طريق الشعب

وزارة الصحة ..المسير الى الوراء! / د. سلام يوسف

في الجيش يعلمون الجنود المسير كأحد أنواع التدريبات المهمة، ومنها واثناء المسير، يعطي المعلم إيعازاً سريعاً مباغتاً بتقديم خطوة وينادي بأعلى صوته « الى الوراء دٌرْ».
وهي وسيلة لضبط تطبيق الإيعاز ودراسة قوة انتباه المجموعة التي تتدرب، كما أنه مؤشر الى حسن الأداء. وهذا مسير منظم مبرمج وفق إيقاعات محسوبة.
وما تعاني منه وزارة الصحة العراقية اليوم ينطبق عليها «المسير الى الوراء» ولكن بسبب الإخفاقات المتتالية المتلاحقة والأداء المتراجع دوماً وضياع البوصلة في التخطيط والتنفيذ والمتابعة، والنتيجة هي ان لا يمر يوم الاّ وهناك «مصيبة» من «مصائب» الوزارة تهل علينا في الأخبار. والملفت للنظر ان أغلب «مصائب» وزارة الصحة تتقاسم العامل المشترك المعروف الذي استهلكته كل أساليب إخفاء الجرائم، الاّ وهو الحريق!
لنعد قليلاً الى الماضي القريب، فقد سكنت كل أنشطة وفعاليات وزارة الصحة على واقعها المر أيام النظام المقبور، من أجل إنجاح تطبيق شرور القائد الضرورة وإشباعا لرغباته الدموية، عسكر الوزارة بكل عناوينها وجعلها في خدمة مخططاته العدوانية، وليس هذا فحسب وإنما شمل حتى كليات الطب والتمريض والمعاهد الطبية والصحية وحجز أعداداً ليست قليلة من طلبتها من خلال (الدراسة على حساب وزارة الدفاع)، ليجّيرهم الى مشروعه الهتلري.
وبعد زوال النظام الذي كان وما يزال سبب كل المآسي التي يعيشها العراقيون، فقد اهتمت قوات الاحتلال بوزارة الصحة لمعرفتهم الأكيدة والمسبّقة، ان من خلال هذه الوزارة المهمة يمكن نفاذ وتسلل مئات بل آلاف المشاريع والمقاولات والبرامج التي تجعل لمراميهم بعيدة المدى موطئ قدم، خصوصاً وأن مخصصات وزارة الصحة المالية تشكل رقماً لا يُستهان به في ميزانية الدولة العراقية.
وبالتأكيد فأن لمشروع الطائفية – الأثنية حصة كبيرة في الوزارة حيث تشكّل عناوينها الوظيفية كما هائلا من بين عناوين وظائف الدولة، وبذلك تحركت وزارتنا العتيدة من التسكين الى التحاصص و(الفرهود) الطائفي لتبدأ مسيرها غير المنظم والذي شابه وما زال الكثير من السلبيات والعثرات والتخبط، ابتداءً من الفساد الإداري والمالي مروراً بفضائح حرائق طوابق شركات الاستيراد والعقود والاستثمارات، إضافة الى توقف معامل تصنيع الأدوية والمستلزمات الطبية الحكومية ناهيك عن الأداء المخجل في المؤسسات الصحية قاطبة وانتهاءً بحرق الأحياء في حوادث لم يسبق لها مثيل عبر عقود من الزمن في كل أنحاء العالم.
لا نحمّل جهة معينة مآل المسيرة المخيبة للآمال التي تمتاز بها مسيرة وزارة الصحة العراقية، وهي تسير بعكس اتجاه ما توصل اليه العلم من تطور تقني وعلمي وخدمي في مجال الصحة والذي أصبح السمة العامة لأداء المؤسسات الصحية في العالم، خصوصاً وان العراق ما زال بلدا غنيا يتمكن من امتلاك كل ما يجعل تقديم الخدمات الصحية على أفضل وجه وصورة، وإنما نؤكد على ان اختيار نظام المحاصصة اللعين هو السبب في كل ما يترتب من نتائج سلبية وسوداء في كافة أنشطة الحياة في المجتمع العراقي.
ان التراجع الصحي والبيئي والأداء السيئ والمسيء الذي تقوم به الجهات ذات العلاقة، ما هو الاّ مسير الى الوراء نحو العصور القديمة ذات الأفكار والمفاهيم البالية والتي اثبت العلم خطلها وبطلانها، والأمثلة كثيرة جداً يمكن أن ندرجها، ولكن فقط الإشارة الى واحدة منها وهي انتشار مراكز(عيادات) الشعوذة والدجل بل وتلك التي تسيئ للدين، هي واحدة من مظاهر ذلك المسير الذي سيفضي الى كوارث بيئية وصحية اجتماعية لم تذكر الاّ في العصور المظلمة.
ان عدم التحرر من القيود التحاصصية الى جانب الاعتماد على، والركون الى، اشراك الوطنيين والمخلصين المعروفين بالنزاهة والامانة والمقدرة العلمية والفنية والإدارية، وجعلهم في المراكز العقدية التي تخطط وتنفذ وتشرف على التنفيذ، فأن كل ما ستستخدمه الوزارة من أساليب أخرى لحفظ ماء الوجه ، يعد ضياعا للوقت والجهد ومزيداً من التخبط والمسير الى الوراء باتجاه إحياء مرحلة القرون المظلمة.