اعمدة طريق الشعب

تعلموا من الادباء ايها السياسيون! / عبد السادة البصري

حينما كنا في سبعينات القرن المنصرم نشكل فريقا لكرة القدم من أولاد قريتنا ــ حوز الحويدر في جنوب الفاوــ كنا نختلف في أمور ونتفق في أخرى حتما ، لكننا نذيبها ساعة اتفاقنا على مَن سيكون رئيسا للفريق (كابتن).
كنا نقوم بانتخابه من بيننا لمواصفات نعرفها جيدا من تفانٍ في خدمة الفريق وأخذ الرأي والمشورة في أمور السباقات وإجراء التعديلات على الفريق وكيفية لعبه مع الفرق الأخرى. كما نطالبه بتفتيت كل الخلافات وحلها إذا حصلت، والتأكيد على عدم تكرارها ، إضافة الى ترتيب الأمور الإدارية وإبعاد شبح المشاجرات والمناكدات في ما بيننا، كي لا يضعف أداء اللاعبين وحتى يعطوا مثالا على التصافي والمحبة والالفة بين أبناء القرية!
استذكرت تلك الأيام وما فيها وأنا أشارك في لجنة الإشراف على انتخابات اتحادات أدباء المحافظات. والكل يعرف أن للمثقفين والأدباء خاصة أمزجة ومطاليب وحكايات كثيرة تصل حد الخلافات والقطيعة في بعض الأحيان. إذ نسمع عن هذا وذاك وخلافاتهم وعدم قبولهم الآخر ، والاعتراضات وانتقاد عمل الهيئات الإدارية وما الى ذلك.
اتفقنا في المجلس المركزي أن نكون سباقين في إقرار عدم تكرار الرئيس في منصبه لأكثر من دورتين، وألزمنا أنفسنا بتنفيذه كي نعطي مثالا حقيقيا على أهمية التغيير الذي نطالب ويطالب به المواطنون الحكومة كل يوم من خلال التظاهرات والشعارات. وان نقول للسياسيين بأننا أول من سيمتثل للتغيير حتى وان كان زميلنا مرغوباً من الآخرين في البقاء بمنصبه.
وهذا ما حصل فعلاً في عدد من اتحادات المحافظات كون الذي كان في المنصب قد قدم الكثير من الخدمات لزملائه ولارث محافظته الثقافي. إلا إننا ارتأينا بقرارنا هذا أن نؤكد للسياسيين بأننا نعمل وفق مبدأ الديمقراطية الحقة وعدم التمسك بالكرسي مهما كان شكله ونوعه. إضافة الى إننا أثبتنا للآخرين بأن الأديب يعتبر الوطن والناس والقانون أولاً رغم كل شيء.
جرت الانتخابات في البصرة، بابل، واسط، كربلاء، الديوانية، ذي قار، المثنى ، كركوك، ميسان، النجف الاشرف بشكل رائع واثبت الجميع أن حب الوطن وخدمته هو بالنسبة اليهم فوق كل الميول والاتجاهات وان مصلحة الناس هي الأهم دائما.. وجدنا الالفة والمحبة والتسامح والتسامي بينهم رغم كل ما نسمعه ونقرأه في بعض الأحيان، وجدنا كركوك عراقاً مصغراً يضم الكرد، العرب، التركمان، السريان وهم في تآلفٍ وتكاتف من اجل إعلاء اسم مدينتهم وإرثها المعرفي ، والذين كانوا يشغلون رئاسة الدورات السابقة قدموا أنموذجا رائعا للمثقف المحب لناسه ومدينته وذابوا في محبة زملائهم مشاركوهم الانتخابات بروح رياضية عالية!
أقول: ألا يتعلم السياسيون من الادباء هذه الصفات الرائعة من نكران ذات، ومحبة الناس والوطن والتفاني في خدمتهما، وإبعاد شبح المصلحة الخاصة والمحاصصة والحزبية والفئوية والطائفية عنهم، كي يسمو بالوطن وناسه دائما ؟!