اعمدة طريق الشعب

تطوّر التعليم من هيبة المعلم / عبدالسادة البصري

قبل يومين تحدّث زملائي في الدائرة عن تدهور التعليم ، وعدم استيعاب الطلاب للمادة بشكل دقيق بحيث يخطئون في الإملاء والنحو ومعلوماتهم قليلة جداً، كما تحدّثوا عن برود العلاقة وانعدامها بين المعلم وتلاميذه.
أثناء حديثهم أخذتني سرحة الى أواخر الستينات وبداية السبعينات حينما كنت طالبا في مدرسة ( الخليج العربي الابتدائية ) التي تقع عند نهاية جسر (حوز آل حويدر) في جنوب الفاو ، وكيف كنّا نتسابق لاستقبال معلمينا صباحا وظهرا حسب وقت الدوام وننتظرهم على الجسر لنأخذ دراجاتهم الهوائية التي يستقلونها من محل سكناهم في مركز القضاء إلى المدرسة. كنا نقتسم المعلمين بيننا: أستاذ عواد معلم العربية ودراجته السوداء لي ، وأستاذ ناجي معلم الاجتماعيات ودراجته الزرقاء لزميلي ، وأستاذ عدنان معلم الانكليزي ودراجته الحمراء لزميلنا الآخر، وهكذا .
كان المعلم يأتي مهندما ببدلته السموكن وربطة عنقه وحذائه ( القبغلي) اللماع ، يترجل عن دراجته فوق الجسر لنركض متنافسين للحصول عليها وتقديم التحية له .
كنا نعتبره الأب الثاني لنا ، نُجِلُّهُ ونهابه ونحترمه أيما احترام. كذلك كان هو يبادلنا التقدير والشعور ذاته ويحثنا على الدراسة وتحضير الواجب. يعطي جل وقته لنا، كي نستوعب المادة بالشكل الأمثل ، إضافة الى جلبه وسائل إيضاح لإيصالها بدقة أكثر الى عقولنا. واذكر أن الأستاذ قاسم ناصر معلم اللغة العربية كان يمنحنا هدية إذا حصلنا على أعلى الدرجات في الإنشاء ( التعبير) وفي القواعد ( النحو). هو الذي شجعني على القراءة وحب المطالعة حيث أهداني أول مرة كتاب "البؤساء" لفيكتور هيجو وفي المرة الثانية كتاباً عن غاندي و ملخّص رأس المال، فجعلني أقرأ وأقرأ لأحصل على الدرجات الممتازة دائما، وزرع في روحي ونفسي عشق الأدب ومن خلاله نمت بذرة الشعر والكتابة طوبى له .
زرعوا في نفوسنا كل بذرة خير من خلال علاقتهم بنا وهيبتهم، والتي ازدادت وظلت لحد هذه اللحظة تكبر وتسمو.حينما كان يبصرنا أحدهم في السوق أو في الشارع نمشي أو نلعب، فلن نذهب في اليوم الثاني الى المدرسة إلا ومعنا أحد أولياء أمورنا ليشرح للمعلم انه أرسلنا لشراء حاجة ما ، لأننا بدون ذلك سنقف للحساب.
هذه العلاقات نفتقدها اليوم بين التلاميذ ومعلميهم، وبين أولياء الأمور وإدارات المدارس. بدأت هيبة المعلم بالانحسار تدريجياً منذ ثمانينات القرن الماضي وصولاً الى يومنا الحاضر لأسباب كثيرة ، منها الحروب وما فعله الحصار وشظف المعيشة واحتياج المعلمين وعوزهم حتى وصل الحال ببعضهم أن يفتح ( بسطات ) لبيع السجائر وغيرها على الأرصفة. إضافة الى عدم اهتمام الطلاب بدروسهم ومعلميهم نتيجة تلك الظروف وما تلاها من أمور أخرى. كذلك إثراء البعض من أولياء الأمور دون معرفتهم الحقيقية بمعنى التعليم وأهميته وقدسيته وعدم اهتمامهم بأبنائهم وعدم نصحهم بماهية التعليم والمعلم وقيمته .