اعمدة طريق الشعب

الاصلاح .. قضية عادلة / محمد عبد الرحمن

اصدرت المحكمة الاتحادية ، اخيرا، قرارها القاضي بالغاء قرار مجلس الوزراء والمصادقة عليه من قبل مجلس النواب، بشأن نواب رئيس الجمهورية . ففي شهر آب 2015 جرى الغاء مناصب نواب الرئيس ضمن حزمة الاصلاح التي سميت في وقتها «الحزمة الاولى». وحين استطاعت المحكمة الاتحادية ، بعد اكثر من عام ، جمع قواها ، اقدمت على هذه الاجراء الذي يثير الكثير من التساؤلات، خصوصا في توقيته .
الداني والقاصي يعرف ان حزم الاصلاح الثلاثة لم يجد العديد من بنودها طريقه الى التنفيذ ، وان اول الخارقين والملتفين عليها هم النواب انفسهم، الذين عادت ، على نحو منفصل ، رواتبهم ومخصصاتهم الى ما كانت عليه. كذلك بقيت اعداد الحمايات لكبار المسؤولين كما هي، بل ربما زادت بذريعة الوضع الامني، وهو الشماعة التي يعلق عليها البعض كل شيء، بما في ذلك الموقف السلبي ازاء التظاهرات ! كذلك التسهيلات الاخرى ، ومنها القصور وبيوت الدولة التي يجري السكن فيها ( قل تُصادر !) عن غير وجه حق ، وقد تسلمها بعض الساكنين وهو بلا أي موقع في الدولة، وما زال يعيش فيها مثل ملك بعد ان لم تصل اليه اصلاحات السيد العبادي، بل ولم تستطع حتى مجرد الاقتراب منه.
جاءت حزم الاصلاح عشوائية غير مدروسة جيدا ووفق تصور متكامل، بما فيها جوانب التنفيذ والمتابعة ، وطبقت على نحو انتقائي واضح. وما يثير الدهشة هنا ان الاصلاحات تضمنت ما يشير الى محاربة الفساد، الذي لم يتراجع وفقا لكل المؤشرات، بل ربما تضخمت عوامله ، واذا كا يبدو ثمة «خفوت» فيه فبسبب قلة موارد الدولة وضعف الاستثمار الحكومي. كما لم يُتخذ الكثير من الاجراءات ضد من سبق ان سرق ونهب وهرب «الغنائم» الى الخارج. وهؤلاء جميعا معروفون للحكومة ولهيئة النزاهة والقضاء، وهم يصولون ويجولون محروسين بحرز «المحاصصة والدين والمذهب والقومية والمنطقة والولاء« ، بل ان الكثير من الملفات التي قالت فيها اللجان التي اعدتها كلمتها، لم يقلبها احد وهو في ذروة « الحماس «للاصلاح ، ومنها ملفات التسليح وعقوده ، والموصل وسبايكر .
حزم الاصلاح عانت من التردد والتلكؤ ومحاولات مسك العصا من الوسط، والرضوخ لمطالب الكتل المتحاصصة ، فيما المطلب الاساس للمتظاهرين والحراك الجماهيري هو الخلاص من المحاصصة والفساد وثالثهما الارهاب، على ما بينها جميعا من ترابط وثيق .
والشيء الاخر وضمن « الهرولة» الاولى نحو الاصلاح، فقد كان مفترضا استكمال بعض الخطوات من الناحية الدستورية. لكن لم يقدم المعنيون ، بمن فيهم الرئاسات الثلاث ، ولاسباب ودوافع مختلفة ، على دعم تلك الخطوات، باجراءات قانونية تجلس ما اتخذ على قاعدة متينة يصعب المساس بها .
ان هذا التلكؤ سمح للمحاكم ان تدخل على الخط وتعيد العديد ممن شملهم الاصلاح الى وظائفهم الاصلية ، وهو ايضا سهل مهمة المحكمة الاتحادية في ما يخص مناصب نواب رئيس الجمهورية. في حين كان يتوجب على رئيس الجمهورية، بعد ان صادق مجلس النواب على قرار مجلس الوزراء، ان يقدم مقترحا جديدا في هذا الخصوص. وكان يمكن لمجلس الوزراء ان يفعل الشيء ذاته بصيغة مشروع قانون . ولم يسلم من اجراءات المراجعة لفقرات حزم الاصلاح والتراجع عنها، الا القليل من الخطوات. ومن ذلك علي سبيل المثال رواتب المتقاعدين ، ودمج بعض الوزارت والغاء بعضها ، وهو لم يكن على كل حال موفقا ، على الاقل بالنسبة الى بعضه. فيما نشهد مساع تبذل للالتفاف على هذا ايضا ، ومن ذلك تشكيل هيئات مستقلة عوضا عن بعض الوزارات التي الغيت ، رغم عدم الاعتراض على البعض من حيث المبدأ ، ولكن تلك الاجراءات بررت في وقتها بالتقشف وضغط الاموال ، فماذا عن المؤسسات الجديدة؟ هل ستمول من القمر ؟! هذا دليل اخر على العشوائية والتخبط .
ان قرار المحكمة الاتحادية مؤشر مهم على ان اجراءات الاصلاح تتعثر ، فيما مطلب وهدف الاصلاح يبقى حاجة ملحة. وبالقطع لن يتحقق ذلك من دون المزيد من الضغط المتواصل بلا استراحات ، حتى وان كانت « استراحات محارب « .