اعمدة طريق الشعب

نازل يا قطار الشوك / عبد السادة البصري

قبل أيام سافرت في القطار الصاعد الى بغداد ، والذي يتحرك من محطة المعقل في البصرة الساعة السابعة مساءً ،لحضور اجتماع في اتحاد الأدباء / المركز العام. وحالما استمعت صفيره عادت بي الذاكرة الى أوائل ثمانينات القرن الماضي عندما كنت طالباً جامعياً في بغداد. كنت أسافر دائما في القطار ذهاباً وإيابا، وكانت هناك أربعة قطارات تتحرك صاعدة ونازلة بين بغداد والبصرة ،إضافة الى قطارات أخرى الى الموصل وغيرها. وكانت حركتها في ( 7.30 ـ8.30ـ 9.30 ـ 10.30 ) وكنت استقل القطار الرابع ( الأخير) لأنه ينطلق بسرعة ولا يتوقف إلاّ في ثلاث محطات ( الناصرية ، السماوة ، الحلة ) ولفترة قصيرة. لهذا يكون الازدحام فيه قليلاً جداً، حيث أن القطارات الأخرى تكتّظ بالمسافرين والجنود، وتمتلئ الممرات وحتى أماكن وضع الحقائب وفوق السطح بعض الأحيان. كان القطار السريع مريحا جداً رغم إنني لم أحجز غرفة منام آنذاك أبدا !
كتب عن هذا القطار الكثير من الروائيين والشعراء وتغنّى به المطربون أيضا. قرأنا لأجاثا كريستي روايتها ــ جريمة في قطار الشرق السريع ــ ولمحمود عبدالوهاب قصته ــ القطار الصاعد الى بغداد ــ ولمظفر النواب قصيدته ــ للريل وحمد ــ وسمعنا عبد الزهرة مناتي يغنّي ــ نازل يا قطار الشوك نازل هاي ديرتنه ــ وياس خضر يردد ــ وصاح الريل وانا وياه يعت بيّه واعتنّه. ولا يمكن أن ننسى جريمة قطار الموت عام 1963 حينما أراد الفاشيون انقلابيو شباط الأسود أن يقتلوا عدداً كبيراً من الشيوعيين المعتقلين بعد زجّهم في قطار حِمْل حديدي أحكموا إغلاق أبوابه وكل فتحاته كي لا يدخل إليهم الهواء وأمروا السائق أن يسير ببطء جدا بحجة أن القطار يحمل بضاعة ثمينة في قيظ تموز اللهّاب. إلاّ إن السائق الطيب وبعد معرفته السر وبما في قطاره من مناضلين سجناء، أسرع بالقطار لينقذهم من موت بشع. والسائق (الراحل اليوم) هو والد الزميل علاء المفرجي الكاتب في جريدة المدى !
والحديث يأخذنا الى بدايات تأسيس السكك الحديد وقطارات الفحم والمتري والمحطات التي تمتد من أم قصر والمعقل وصولا الى تركيا وسوريا وايران. كما ان للمحطة العالمية في بغداد حكايات وحكايات !!
هذا القطار وبعد استيراد عربات وماكنات جديدة ( قطارات حديثة ) من الصين وبعد استخدامه قبل أكثر من سنتين، حينما تصعد إليه الآن يصيبك الحزن لما حلَّ بنوافذه من تهشيم اثر رمي أطفال بعض المناطق التي يمر بها الحصى والطابوق على النوافذ ما يؤدي الى تكسيرها. كما ان وقته واحد فقط رغم وجود أكثر من قطار حديث مركون جانبا وبالإمكان استخدامها في أوقات أخرى لتسهيل عملية النقل بين المحافظات!
القطار لما له من حكايات وأحداث نقشت على صفحات ذاكرتنا، نتمنى أن يكون هناك اهتمام أكبر بعرباته وسكّته ومحطاته ، إضافة الى محاسبة من يتسبب في كسر وتهشيم زجاج نوافذه وتخريبه، لأنه واسطة نقل رائعة ومريحة وآمنة.. ونازل يا قطار الشوك!