قبل ثلاثة أيام ذهبت ومجموعة من زملائي أدباء البصرة الى الأهوار لزيارة نصب شهداء الانتفاضة هناك مروراً بمدينة المْدَيْنَة ــ أحد أقضية البصرة الشمالية ، ولمعرفة مدى صلاحية المكان لإقامة إحدى جلسات مهرجان المربد الشعري الثالث عشر المزمع إقامته في البصرة الأسبوع القادم .

حقيقةً بناء النصب وما فيه من المؤشرات الفنية يمنح للناظر فسحةً جماليةً بسيطةً رغم الهالة الإعلامية التي احيط بها إضافة الى المبلغ الكبير الذي تم تخصيصه لانجاز العمل. النصب عبارة عن قبّة كبيرة تشتمل على إيوان دائري كبير يضم بعض الصور والوثائق التي تشير الى الانتفاضة. وقبل الدخول الى القبّة هناك نصب يشير الى الانتفاضة من خلال الكفّين الحاملين قلباً تنبت شرايينه قصباً وهي ترمز الى الحياة التي ينبض بها كل قلب عراقي ، كذلك قبور رمزية لعدد من شهداء الانتفاضة. والحقيقة ان النصب هذا يحتاج الى مقتنيات أخرى ووثائق أكثر وقاعة لإقامة الجلسات والندوات، التي تشرح للضيوف والسائحين أهمية بناء مواقع تذكارية كهذه، نظراً لما قدمه العراقيون من ضحايا وقرابين لحريتهم. كما يجب أن تكون هناك علامات دلالة للمكان ومرافق سياحية أخرى !

وأنا أدور بين أركان النصب تذكّرت المْدَيْنَة، القضاء الذي مررنا به قبل ساعتين والذي قدّم العديد من شبابه شهداء دفاعاً عن الأرض والمقدسات في معارك تحرير مدننا من دنس العصابات الإجرامية ــ داعش ــ. هذا القضاء يفتقر الى الكثير من الخدمات مثل الماء والمجاري وتبليط شوارعه وأحيائه إضافة الى الكهرباء وغيرها. ثم انه البوابة الرئيسية لمناطق الاهوار، والمليء بالمساحات اليابسة التي تبكي الماء كل ساعة وتحتاج الى إنعاشها لتنتعش الزراعة والثروة الحيوانية ( الأسماك والطيور) كما تنتعش السياحة وبالأخص بعد إدراجها ضمن لائحة التراث الإنساني العالمي !

ولأجل إنعاش كل هذا علينا أن نفكّر جيداً بآلية العمل من خلال تشكيل لجنة من المتخصصين في مجال الاهوار أكاديميا وإبداعيا، لتقديم دراسة وافية عن أهميتها تاريخيا وتراثياً وكيفية إنعاشها سياحياً واقتصادياً عن طريق الاهتمام ببنائها وعمرانها كونها مصدراً اقتصادياً مهماً للبلد !

الاهوار تلك المسطحات المائية التي يمتد تاريخها منذ السومريين الأوائل وصولاً الى يومنا هذا أعطت للتاريخ والتراث الإنساني الشيء الكثير من الحكايات والحوادث والصور الطبيعية الساحرة الخلّابة. إنها منبع حكايات ورؤى إضافة لما لها من أثرٍ سياحي كبير. الاهوار تحتاج منّا الى أكثر من وقفة جدّيةٍ للمطالبة بعمرانها وإعادتها للحياة، لا أن نتركها مساحات شاسعة من الأراضي الممتدة بلا فائدة تُذكر !

الاهوار تحتاج الى مرافق سياحية جذّابة للسائحين والزائرين والمنقّبين عن حكايات حفيظ فيها!

الاهوار حياة ممتدة عبر آلاف السنين ولن تموت أو تتلاشى أبداً. ستنهض إذا التفتنا إليها بالمحبة والانتماء الحقيقي لأرضها ومائها وبرديها ومشاحيفها وطيورها وأسماكها وحكاياتها !

انها مصدر زراعي وسياحي مهم لاقتصادنا. علينا أن نعي ذلك جيداً!