اعمدة طريق الشعب

نصيحة شيوعي.. عندك متر.. انت عراقي !/ حسين الذكر

لم افقه يوما من كل ما ينعتوه به، الا ما كنت استلهمه من سلوكياته ونصائحه الموجزة الواقعية في الصميم.. سألته يوما عن اسباب مناداته بالكافر ضحكا من بعض اصدقائه وحتى اعدائه، فقال بابتسامة عريضة: (ان اصدقائي واحبائي، يتوددون لي بهذه المفردة، التي يتهمنا الآخرون بها باننا كفرة او ملحدون لمجرد ثقافتنا الشيوعية التي لا تتسق مع مصالحهم الضيقة وسلوكياتهم المتلونة، فهم يوغلون باتهاماتهم حد الاهانة وتأليب الآخر علينا، لاننا نؤمن بحرية الفكر وتحسين موقعية الانسان في كل جوانب الحياة، فضلا عن عدم تمييز الانسان على اي اساس عرقي او لوني او جنسي او عقائدي او قومي، هذه الشعارات على ما يبدو لا تروق لهم ولا تنسجم مع مصالحهم الضيقة ومواقعهم الآنية.
في منتصف التسعينيات، ولأسباب اقتصادية بحتة نتيجة الحصار وسياسات الدكتاتورية، اضطر اغلب الموظفين، إلى ترك وظائفهم غير المجدية او الاعتماد على مصادر دخل اخرى لتحسين الوضع والصمود بوجه قساوة متاعب و مصاعب الحصار الدولي الذي لحق بالعراقيين، بعد احتلال الكويت، وقد كان الاستاذ المرحوم ستار احد المدرسين الذين يمتازون بالمهنية والجدية والصدق والالتزام ومساعدة الطلبة وتخصيص اوقات تعليمهم الخاص على حسابهم دون اي مقابل. ذلك كان ممكنا وجائزا ومتوقعا، بل موجود بكثرة في ايام عراق ما قبل الديمقراطية الراهنة. وقد اضطر للاشتراك مع صديق له، لشراء مطعم يعمل فيه بعد اوقات الدوام لتحسين وضعه المعيشي، وبما انه نظيف جدا، فقد كان يحارب من جيرانه، فكلما حمل المكنسة لتنظيف واجهة مطعمه، ضحك الاخرون، احدهم يقول: (ها مشتغل كناس اليوم )، والاخر يقول له: (بلكي وياك تنظف واجهتنا على الواهس)، فيما اخرون، يتغامزون من بعيد بسخرية واضحة: (الاستاذ والله متواضع). حتى اضطر بعد ايام إلى هجر المطعم والمجتمع معا، الا بعض مقربيه جدا من الاصدقاء.
شكوت له في احد الايام حالي بعد خدمة العراق في العسكرة والسخرة واعمال اخرى قدمناها طوال عقود من حكم الدكتاتورية، لم اتمكن من الحصول على دار مهما صغرت للم عائلتي واطفالي، لكنه كان يصبرني دوما ويقول لي: (لا تعتمد على الحكومات ولا تنتظر منها شيئاً، فإن رجالات الدكتاتورية لا يختلفون عن اخرين في البلدان العربية، اغلبهم يصلون للحكم بشعارات براقة لكنهم ما ان يستولوا على كرسي الحكم حتى يغدو الامر مختلفاً، وارجو ان تتمكن من لملمة وبيع كل ما عندك من اجل شراء ولو متر واحد، لان في العراق من يمتلك قطعة ارض هو عراقي، فيما من لم يمتلك يبقى غريبا وكانه ليس من الوطن، الذي قدمنا له كل شيء، لكن حكامه الطغاة لم يقدموا لنا اي شيء). ثم طلب مني، اذا ما رحل الى دار الفناء وتغير الحكم، ان أقرأ عناوين الصحف الصادرة في زمن «الديمقراطية»، وأقارنها بما كانت تنشره صحف الدكتاتورية. فالشعارات اولا والتزييف ثالثا والمتلونون رابعا وعاشرا.. اما المواطن فقد نسوه على الهامش وربما دون ذلك، فانهم يتذكرونه، كلما احتاجوا إلى كتف يتسلقون عليها!