اعمدة طريق الشعب

"الجيش الالكتروني" / محمد عبد الرحمن

لا ادري ان بقي عراقي لا يعرف كيف بدأ الحراك الجماهيري ، ومن بادر اليه ، وما هي مطالبه ، وكيف تطور الى ان وصل الى ما هوعليه اليوم ، حيث يتشارك المدنيون والصدريون ساحة التحرير ، وهذا التعاون والتنسيق الذي يمتد الان الى ساحات اخرى في محافظات الوطن المختلفة .
فالحراك متعدد في تجلياته ، وقد مارس ضغطا على الاطراف الحاكمة والمتنفذة ورفع شعارات لا تخص جماعة سياسية معينة ، قدر ما تستجيب لطموحات وتطلعات ملايين العراقيين، حتى وان لم يقرروا بعد النزول الى الشارع وممارسة الفعل الايجابي لتحقيق الشعارات التي طالب بها الحراك، وهي واضحة لا لبس فيها وتتلخص في تحقيق الاصلاح والتغيير والخلاص من الفاشلين والفاسدين وتوفير الخدمات للناس .
من المؤكد ان هذا لم يرُقْ للذين يريدون ادامة سلطتهم ونهبهم مهما حدث، حتى وان رأوا العراق بكليته يغرق ، فهم غير معنيين الا بشيء واحد وحيد : هل من مزيد ؟!
ولان الحراك عرّى هؤلاء تماما فقد بدأوا معركتهم ضده. فكان التشكيك بالنوايا والاهداف ، وطرح التساؤلات المرتابة عن كيف تخرج التظاهرات والاحتجاجات ما دامت المعركة ضد داعش متواصلة؟! وجاء الرد بليغا قويا مؤكدا تلاحم وترابط المعركة ضد الارهاب وداعش ، مع المعركة المفتوحة ايضا ضد الفساد والفاسدين . اليس من بين اسباب تمدد داعش وحصول قسم على الاقل من التفجيرات الارهابية هذا الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ، المدنية والعسكرية ، كما صرح بذلك العديد من المسؤولين، بمن فيهم رئيس الوزراء العبادي ولاكثر من مرة؟
لقد فشل « الجيش الالكتروني» ليس في هذه فقط ، بل في اطروحات اخرى لجأ اليها وسعى جاهدا الى ان يوهم الرأي العام بان هناك مندسين وبعثيين ودواعش تسللوا الى صفوف المحتجين ! وكان الرد: اذا كنتم تعرفون هؤلاء من خلال عيونكم المبثوثة في كل زاوية في ساحات التحرير، فلماذا لا تلقون القبض عليهم وتنتهي القصة ؟ هنا ايضا كان الفشل مدويا ، ومداراة لفشلهم اعتقلوا وسجنوا وعذبوا عددا من النشطاء المدنيين والسياسيين ، وهم قبل غيرهم يعرفون انهم كانوا اطفالا زمن النظام المقبور ! حتى وصل الامر حد استخدام السلاح الحي، وسقوط شهداء ابرار .
ولم تنته قصة الجيش الالكتروني عند هذا الحد ، فلجأ الى مساعي التيئيس من جدوى المواصلة، وبث حالة القنوط ، وتضخيم حالات الجزع الفردية والتي هي طبيعية في مثل هذه الحالات ومع وجود الالاف في مستويات متفاوتة في الوعي والادراك ، وقناعات متباينة. وهذا يسجل لصالح الحراك كونه تعددي الطابع وبعيدا عن الحزبية الضيقة. ولكن الاصرار على المواصلة واستمرار الحراك في نسخته الثانية لاكثر من 20 شهرا ، اسقطا في ايديهم وردا خبثهم وكيدهم .
وواصل هذا « الجيش» ومعه حفنة من الفاشلين والبائسين الذين هم ليسوا بعيدين عن بركات هذا الجيش ، واصلوا النشاط المحموم ، ودخلوا على خط اثارة الحساسيات بين المدنيين انفسهم. ولكن هنا ايضا خيب التدهور الكبير على كل المستويات وفي كل مناحي الحياة في بلدنا، ووضوح مسؤوليات البعض ككتل وافراد عن ذلك ، آمال الجيش الالكتروني ومن يقف وراءه .
ولعل آخر اوراق هذا الجيش محاولة اثارة الحساسيات عند التيار الصدري تجاه المدنيين ، وتأليب المدنيين على التيار الصدري. لكن وكما يتضح حتى الان ، فان التعاون والتنسيق بين الطرفين المدني والصدري ، هما بشكل عام في تصاعد، الامر الذي يتوجب على الطرفين الحرص عليه وتطويره على اسس سليمة ، نظرا لما يتمتع به من اهمية راهنة .
ويبقى السؤال : هل سيلقي « الجيش الالكتروني « اسلحته ويستسلم، ام سيواصل خبثه ونفث سمومه ؟ وهل سيتوجه « المستثمرون» الى توظيف اموالهم في مشاريع مشابهة ؟ المؤكد ان هذا كله وغيره قد يحصل، لهذا لا بد من الحذر واليقظة لتفويت الفرصة على ذوي النوايا الخبيثة والسيئة.