اعمدة طريق الشعب

عنصرية لوبين وطائفية قادتنا! / طه رشيد

الانتخابات الفرنسية التي جرت هذا الاسبوع أدت إلى انتصار شاب لم يبلغ الأربعين ( قياسا باعمار رؤساء فرنسا السبعة في الجمهورية الخامسة التي اسسها شارل دو غول)، ليس له خبرة كبيرة في العمل السياسي سوى انه كان وزيرا للاقتصاد في حكومة هولاند وسكرتيره العام ايضا. وترك الحزب الاشتراكي ليؤسس حزبا جديدة أسماه « إلى الإمام « .. واعتاد الفرنسيون على معرفة اصول الفائزين في انتخابات الرئاسة، بانها تنحدر اما من «بلدية باريس» كعمدة لها او من وزارة الداخلية كوزير لها!
وبالرغم من أن ماكرون لا يعرف البلدية وليس له علاقة بالداخلية ومع هذا حقق انتصارا مثاليا بكل المقاييس واستطاع أن يلجم اليمين المتطرف، ومرشحته ماري لوبين، وأن يفوز بثلثين من اصوات الناخبين الفرنسيين.
هذه المرة الثانية التي يصعد فيها مرشح حزب الجبهة الوطنية المتطرف للتنافس على منصب رئس الجمهورية حيث المرة الاولى كانت في نهاية القرن الماضي وقد اشتدت المنافسة انذاك بين جاك شيراك اليميني التقليدي وبين رئيس حزب الجبهة الوطنية جان ماري لوبين، وكانت الخاتمة فوز شيراك باصوات اليسار واليمين الذين عملوا جدارا سميكا في وجه لوبين. وهو عين ما حدث خلال هذا الاسبوع.
ترى هل من درس بليغ يستخلص من التجربة الفرنسية؟ الأوروبيون، حكومات وشعوبا، فرحون بنجاح ماكرون ويعتقدون أن فرنسا منحتها درسا بليغا بلجم اليمين المتطرف وخاصة في المانيا حيث كانت المستشارة ميركل اول المهنئين.
ولكن هناك من صوت لماري لوبين وبلغ عددهم ثلث اصوات الناخبين. وهي نسبة ليست بالقليلة، ولا بد من التنويه هنا بأن لوبين وحزبها يلعبون على وتر المشاعر العرقية ونقاوة الدم الفرنسي وأهمية وحدة الأمة من خلال التخلص من الطارئين عليها، كلام يدغدغ المشاعر وخاصة في ظل تصاعد عمليات الإرهاب التي يخطط لها وينفذها اما أجانب او فرنسيون من أصول أجنبية! ( بالمناسبة رئيس فرنسا الأسبق نيكولا ساركوزي من أب وأم اجنبيين رزقا به في الأراضي الفرنسية!)، وربما شكل هذا أحد الأسباب لصعود نجم لوبين. ولكن ثورية الشعب الفرنسي بشكل عام وثقافتهم العالية وتربيتهم العلمانية شكلت حصانة بوجه العنصرية.
هذه خيارات الشعوب، بعكس ما حدث وما يحدث في عراقنا اليوم، حيث تتصدر الاحزاب السياسية المبنية على أساس طائفي واثني هرم السلطة.
فمتى تصحو الشرائح الاجتماعية المسحوقة لتكتشف أكذوبة الأحزاب الطائفية التي لم تقدم الى العراق والعراقيين سوى الخيبة تلو الخيبة!