اعمدة طريق الشعب

رفقاً بمشاعر الناس !/ عبد السادة البصري

في أوائل سبعينات القرن الماضي ، لم يكن في بيتنا تلفزيون. وحينما يهلّ شهر رمضان ويوميا بعد الإفطار عندما يذهب أبي الى الجامع في ( الحوز) المجاور ( لحوزنا ) ــ كل منطقة محصورة بين نهرين تسمى حوزاً في الفاو ــ أذهب معه الى بيت معارفنا هناك لمشاهدة البرامج والمسلسلات الرمضانية. كانت مسلسلات الشاطر حسن، أبو الفتح الاسكندري، قرية الرعب، فارس ونجود .. وغيرها، إضافة الى برامج المسابقات التي تتمتع بحس تربوي وتعليمي يمنحك وعيا معرفيا أكبر من عمرك. وكانت المسلسلات ذات نهج تربوي وإنساني كبير عموما، لهذا تعلّمتُ وأبناء جيلي منها الكثير. كنّا لا نعرف مَن يساعد الفقراء والمحتاجين حيث تصلهم المساعدات كل يوم من مواد غذائية وملابس وغيرها دون أن يعرفوا اسم المحسن فلا تنخدش مشاعرهم قيد أنملة أبداً!
تذكّرت تلك الأيام الرمضانية وأنا أشاهد تسابق الفضائيات اليوم ببث برامجها ومسلسلاتها خلال شهر رمضان ، حيث التهريج وقلّة الذوق والاستهزاء بعقول ومشاعر الناس ، إضافة الى عدم الشعور بمأساة المعوزين والمحتاجين والنازحين، الحقيقية من خلال ما تقدمه هذه القنوات من برامج المساعدات التي تجعلك تقرف من نفسك وتلعن اليوم الذي أصبح فيه هؤلاء فقراء وأولئك ميسورين ، لأنهم يوزعون المساعدات عليهم بين دموعهم وخجلهم الذي يعلو قسمات وجوههم نتيجة ما آل اليه مصيرهم المأساوي المؤلم. أما صاحب المال الذي لا نعرف من أين جمعه ــ وهناك طرق عديدة متشعبة ومختلفة لجمع المال هذه الأيام ــ فهمّه أن يستعرض عضلاته وهو يقدم المساعدات لهم، حيث عدسات التصوير واللقاءات وما الى ذلك من توزيع الابتسامات والتلويحات أمام الكاميرات، بينما الناس تمسح الدموع عن خدودها وهي تمد أياديها لاستلامها!
أعتقد جازما أن الذي يريد أن يصنع معروفا حقيقياً لا يحتاج أن يعرف الناس في كل الأقطار والأمصار بعمله ، ومَن يريد مساعدة الآخرين لا يحتاج أن يعرف الناس بأنه المعين والمنقذ وصاحب النفس الكريمة، والكل يعرف أن للأموال سبلاً تتقاطع وتتوازى في الحصول عليها!
كتب التاريخ والتراث الإنساني ذكرت الكثير من الحكايات والأحاديث عن مساعدة الناس لبعضهم دون المس بمشاعر المحتاجين وجرح كرامتهم من حيث يدرون أو لا يدرون!
لهذا على الحكومة أن تفكّر بشكل جديّ في فتح صناديق ومشاريع ومؤسسات خاصة لدعم المحتاجين والفقراء دون التشهير بهم وجرح مشاعرهم من قبل أصحاب المال والقنوات الفضائية الذين صاروا يتشاطرون في كيفية إظهار أنفسهم بمظهر الكرماء وصاحبي القلب الرحيم والضمير الإنساني الكبير فيما دماؤنا تنزف دون هوادة!
رفقاً بمشاعر الناس أيها الميسورون يا أصحاب رؤوس الأموال التي تملأ البنوك والمصارف، وانتم تقدمون المساعدات لهم فكلنا أخوة في هذا الوطن!