اعمدة طريق الشعب

هل التنمية المستدامة امر ممكن ؟ / إبراهيم المشهداني

ان التقلبات السياسية وغياب الحكم الرشيد واللهاث وراء المصالح الشخصية والفئوية منذ ما يزيد على أربعين عاماعوامل ساهمت في إضاعة ألاف الفرص لبناء عملية تنموية ومستدامة في القطاعات الاقتصاديةوالاجتماعية .
غير إن تنمية مستدامة تحقق حياة افضل للسكان واستخداما عقلانيا للموارد الطبيعية والبشرية والمادية، واستخدام النظم والبرامج العلمية الحديثة في إعداد الاستراتيجيات الاقتصادية، والمشاركة الشعبية الواسعة وتحديد الأولويات الاجتماعية في اطار إدارة لا مركزية كأهداف أساسية لهذه العملية التنموية لا يمكن أن تتحقق من دون دراسة الواقع الاقتصادي في البلاد وتحدياته، وخاصة المشكلات التي تواجه الدولة والمتمثلة في التحديات السياسية والتي تجد تعبيرها الان في الحرب على الإرهاب منذ سنوات عدة،وتكلف الدولة عشرات المليارات في كل عام ،وتأثيرها في تخريب البني الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،إضافة الى الصراع بين القوى المتنفذة وتأثيره على القرارات الإستراتيجية، وتعطيل القوانين الاقتصادية والاجتماعية وإجراء الإصلاحات الإدارية المطلوبة .
والى جانب هذه التحديات هناك تحديات اقتصادية تتمظهر في استمرار السمة الريعية واستحواذ النفط على الحصة الأكبر في الإنتاج المحلي الإجمالي، وانهيار الصناعة بوجه عام والصناعة التحويلية بوجه خاص،والعاجزة عن استيعاب نقل التقانة كممارسة اقتصادية متطورة،وضعف التكامل مع الزراعة وضعف دور القطاع الخاص في عملية التنمية، وخلق القيمة المضافة والتراكم الرأسمالي وتفاقم ظاهرة الفقر وخاصة في الريف لتزيد نسبتها في السنوات الأخيرة إلى أكثر من 30 في المائة حسب مقاييس وزارة التخطيط ، فضلا عن التحديات البيئية المتمثلة في مشكلة التصحر وندرة المياه الصالحة للشرب في العديد من المحافظات، ومشكلات السكن الصحي وتردي خدمات الصرف الصحي وما ينجم عنها من مخاطر التلوث البيئي الذي تنحدر أسبابه أيضا من استخدام الأسلحة المنضبة باليورانيومخلال دخول قوات الاحتلال، والتي لم تتم معالجتها لحد هذا اليوم، وانتشار النفايات في كل رصيف وساحة داخل المدن العراقية، ما ينجم عن كل ذلك من مخاطر انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة وخاصة الإمراض السرطانية التي تنهش بالكبار والصغار بدون هوادة، يرافقها غياب الأجهزة والأدوية التي تفتقر إليها معظم، ان لم نقل كافة مؤسساتنا الصحية، مما تضطر المواطنين الى العلاج خارج العراق وما يترتب على ذلك من كلف باهضة.
إن التوقف عند هذه التحديات ودراستها دراسة علمية في اطار رسم استراتيجيات للتنمية المستدامة، والبحث عن الممكنات في معالجة مشاكلها، يتطلب إرادة سياسية ومواقف صلبة لا تثنيها المناكفات بين القوى النافذة وتناقض مصالحها مع أية نقلة الى الإمام، وذلك بإتباع منظومة من الخطوات المتكاملة والمتسقة مع بعضها وهي ليست بالمستحيلة نوجزها بما يلي :
• الإقدام الجريء على إصلاح سياسي بعيدا عن نظام المحاصصة المسؤول عن التراجع والفشل الذي عم البلاد في الفترة الماضية ، واحترام سلطة القانون وضمان حقوق الإنسان في الحريات المدنية وفي مقدمتها حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومة، وان نجاح هذه الإصلاحات يتطلب المشاركة الشعبية الواسعة،الإسناد من الأسفل ، في التخطيط والتنفيذ والشفافية في اتخاذ القرارات .
• الشروع في ثورة خضراء من خلال دعم المزارعين ذوي الدخول الواطئة، والاهتمام بالريف العراقي في النواحي الخدمية والصحية والتعليمية للحد من الهجرة إلى المدن عبر خطط زراعية واقعية تحقيقا للأمن الغذائي، وتسهيل عملية الإقراض، ودعم السوق الزراعية والإجراءات الحمائية المتخذة .
• تبني إستراتيجية اقتصادية تتلاءم مع واقع الاقتصاد العراقي وتستهدف تنمية قطاع الصناعة، مع ما يرافقها من نقل التقانة والموارد البشرية وتطوير مهاراتها، ووضع خطة تشغيلية تعالج مشكلة البطالة والتأكيد على بناء شبكة الضمان الاجتماعي وتقديم الإعانات المالية في حالة البطالة والعجز والشيخوخة ،على أساس التركيز على القطاع الإنتاجي في الاقتصاد وتخليصه من الطابع الاستهلاكي .
• الاهتمام الجدي في تنقية المناخ العراقي من مظاهر التلوث البيئي ومعالجة تراكم النفايات عن طريق تصنيعها لإنتاج الطاقة، والتقييم المستمر لأوضاع التلوث الجوي وإدخال التكنولوجيا النظيفة في الصناعات القائمة والمخططة .