اعمدة طريق الشعب

مأدبة رمضان الدرامية! / عماد جاسم

ربما كان السينارست المصري الراحل اسامة انور عكاشة هو البطل بلا منازع في قدرته على جذب المشاهد العربي في كل مكان من خلال اعماله المميزة، التي غالبا ما كانت تعرض في شهر رمضان للأعوام الماضية. ولعل الذاكرة الجمعية العراقية والعربية تحتفظ بأروع الحوارات والمواقف المؤثرة لمسلسلات ذلك الاديب المحترف, مثل «رحلة السيد ابو العلا البشري» و»الشهد والدموع» , و»ليالي الحلمية» بأجزائها الخمسة , و»الراية البيضا», واعمال اخرى تتمتع بروح نقدية مشوقة وأحداث متصارعة تشد المشاهد.
أما الاعوام الثلاثة الاخيرة فقد شهدت تراجعا ملحوظا في مستوى ما يقدم من دراما ، وإذا توقفنا عند اعمال هذا العام فلا نجد الا مواضيع مكرورة وحوارات بليدة وحكايات تفتقر الى الجذب الجماهيري, والامر لا يختلف كثيرا مع الاعمال العراقية التي تقدم خلال رمضان الحالي. فقد كان هذا العام الافقر انتاجا والاقل تشويقا، وابتعدت القنوات العراقية عن المنافسة واكتفت ببرامج مسابقات هزيلة تتشابه في الشكل والمضمون, تقدم من قبل ممثلين كوميديين خسروا انفسهم وخسروا شعبيتهم بهذا الاستسهال الهجين.
الغريب في الامر ان هناك استعدادات كبيرة طيلة فترة عام لأجل الدخول في حمى التنافس الرمضاني، وحديثا مطولا ومسربا عن الاجور الفلكية لنجوم رمضان , لكن واقع الحال يثبت ان تلك الارقام لا تعني بالضرورة اعمالا لها خصوصيتها، وما هي الا فخ لاصطياد الاعلانات والترويج لبضاعات كاسدة! ولكن من باب الموضوعية لا بد من التوقف عند بعض الاعمال الدرامية ذات الافكار الجديدة ومنها مسلسل «اعلى سعرا» للنجمة المصرية نيلي كريم، التي يشاركها البطولة النجم نبيل الحلفاوي. فهذا المسلسل يحمل قيمة فنية وخصوصية ابداعية في التناول والأداء والفكرة التي يتضمنها العمل. حيث مثل المسلسل انتقادا للواقع العربي بقالب تشويقي وحس انساني , وبذلك اختلف نسبيا عن الكم الهائل من اعمال حرصت على ارتداء اثواب متشابهة القصد منها سحب المشاهد إلى احداث فيها بعض الغرابة لكنها خالية من القيم التربوية والنصح الاخلاقي، وظلت تلك الاعمال فاقدة لجدوى انتاجها الباهظ ومقتصرة على استعراض نجوم ووجوه فنانات جميلة ومبهرجة. في حين اكتفت الاعمال العراقية بتكرار فشلها وقصورها عن مواكبة الاحداث الجسام، من حالات مجتمعية وأخرى سياسية وأمنية فبقيت رهينة الكوميديا الهزيلة والمسابقات المملة. ولا بد من الاشارة إلى ان واحدا من اهم واجبات الفن, هو العمل على خلق وعي جمعي عبر ابداع يتمازج مع الفكر، لينتج فنا ذا قيم اخلاقية وتربوية، وهو ما حققه الكثير من الاعمال الدرامية العربية والعراقية في سنوات ماضية. وهناك اجيال لا زالت تستذكر بحب كبير مشاهد وحوارات ثقافية وانسانية ذات مضمون تربوي اخلاقي كان لها شديد الاثر في تشكيل وعيها وتغيير بوصلة حياتها. ومن هنا ينطلق السؤال الذي لا بد ان يكون احد اهم اولويات عملية الانتاج الدرامي، وهو ماذا نريد من الابداع؟ وكيف لنا ان نخلق فنونا ترتقي بالمجتمعات ولا تسطح وعيها كما يحصل الآن!؟