اعمدة طريق الشعب

النزاهة والقضاء ومكافحة الفساد / محمد عبد الرحمن

في تصريحات لرئيس الوزراء الاسبوع الماضي اشار الى الرغبة في ردع الفاسدين، وعبر عن الامل في تعاون القضاءعلى هذا الصعيد. وقال مضيفا : نحن نحمي القضاء وندافع عنه ونمنع تسرب الفساد اليه.
وفي الوقت ذاته سمعنا الناطق باسم مجلس القضاء الاعلى يحذر من التدخل في قضيتي محافظ البصرة ورئيس مجلس محافظتها ، ويقول ان من يتدخل سيحال الى القضاء !.
التصريحان مترابطان ومتزامنان، وجاءا بعد ان اعلن رئيس هيئة النزاهة عن العديد من ملفات الفساد التي ذكر ان القضاء قال فيها كلمته. لكن رئيس الوزراء علق بالقول انه يرى من هيئة النزاهة اعلانا كبيرا ولكن في القضاء لا يجد اثباتات وادلة ! وهذا يؤشر حقيقة ان الكثير من ملفات الفساد قد اغلقت او هي في طريقها الى الاغلاق، وبقي من امتدت يده الى المال العام طليقا يصول ويجول، وربما هو الآن يتصدر حملة مكافحة الفساد لفظا ! او ، وهذا الاحتمال هو الارجح على ما يبدو، ان ملفات البعض لم تصل الى القضاء ، بل لم يحركها احد اصلا !
من حقنا ان نسال هنا عن نوعية الملفات التي تحيلها النزاهة ، وهل هي حقا استوعبت جميع متطلبات التحقيق والتوثيق المطلوبة ، ووصلت الى القناعة بوجود شبهات فساد فيها؟ ام ان ما تم تم تحت ضغط الحاجة الى القول بان شيئا انجزعلى طريق مكافحة الفساد، بما يعني انه مطلب سياسي قبل ان يكون استحقاقا لاسترداد المال العام ؟ وهذا الامر يفسر لنا جانبا من قول رئيس الوزراء عن الاعلانات الكبيرة للنزاهة ، وعدم توفر الادلة لدى القضاء !
لكن قراءة متأنية لتصريحي رئيس الوزراء والناطق الرسمي لمجلس القضاء، توحي ضمنا او تلمح الى ان هناك ضغوطا كبيرة تشل القضاء وتحول دون ادائه مهامه. والنتيجة هي المزيد من ضياع اموال الشعب، التي تنهب باشكال مختلفة وطرق متعددة وليس فقط عبر سرقة ونهب المال مباشرة في صفقات العقود ! فمثلا في اية خانة نضع قيام بعض الوزارات بتحديد سعر للتعيين فيها لا يقل عن عشرة آلاف دولار، وكون ذلك اصبح يجري على مرأى ومسمع من الكل ، وانه متواصل بلعبة حركة الملاك ، في حين اوقفت الموازنة العامة التعيينات عموما الا في بعض الوزرات !
على ان الاعلانات التي قدمها رئيس هيئة النزاهة ، وهي من دون شك خطوة كبيرة الى امام ، لا توحي بان يد الجهات الرقابية على اختلافها قد امتدت الى ملفات اخرى، سبق ان شكلت عناوين كبيرة في الاعلام ثم جرى تجاهلها، وليس معروفا ان كان ذلك عن عمد وبفعل فاعل ، ام ايضا لنقص في الادلة قضائيا، والتي لو استفتي الشعب العراقي فيها لوصلت نسبة الادانة ارقاما كبيرة !
وفي العودة الى تصريحات رئيس الوزراء، فهو قد أشر مسألة غاية في الاهمية عندما اكد الحاجة الى سياقات في مكافحة الفساد. وهذا يعني حسب فهمنا ضرورة وجود سياسة وآليات متكاملة لمكافحة الفساد، وليس مجرد اجراءات يتم العثور عليها بالصدفة. وللاسف وكما تبين حتى الآن، لم تعثر الدوائر الرقابية المعنية على ملفات مهمة، او هي اصلا لا تريد ان تزج نفسها في مواضيع شائكة متعلقة بحيتان الفساد. فتلجأ الى ما خف وزنه ، لا سيما عندما تتعلق الملفات بمواقع مهمة في الدولة سابقا وحاليا ، او بكون اصحابها على صلة وثيقة بجماعات مسلحة ، تقول لمن يقترب منها: اسكت والا نسكتك !
وما من شك ايضا في ان هذا واقعُ فوضى، وهو اقرب الى « شريعة الغاب» التي اشار اليها السيد العبادي في تصريحاته المنوه عنها اعلاه .
ويبقى التصدي للفساد موضوعا وملفا مفتوحا .