اعمدة طريق الشعب

حديثة.. أكثر من معقول / قيس قاسم العجرش

لم يسلط عليها الإعلام ما يكفي من الأضواء. لكن هذه المدينة الخلّابة على شاطئ أعالي الفرات صمدت بوجه هجمات عصابات داعش لأكثر من عامين الى غاية أن كسر الجيش الحصار الذي طوّقته بها عصابات الإرهاب.
في مطلع عام 2015، استحكمت عصابات داعش السيطرة على الطريق المتّجه غرباً من مدينة هيت الى حديثة، ثم اتبعته بالسيطرة على الطريق النازل من قضاء بيجي إليها والذي يقطع وادي الثرثار، وثم احتلت تلك العصابات مدن عنه و راوه والقائم، وبذلك صارت حديثة مطوقة من كل الجهات.
بقيت فيها قيادة الفرقة السادسة صامدة، وقيادة عمليات الجزيرة والبادية المتمركزة أسفل السد العملاق. لكن هذا البقاء كان مرهوناً بعامل واحد ومهم جداً، وهو قرار أهالي حديثة بعدم استقبال أو إيواء أي متعاون مع داعش.
دارت مفاوضات كثيفة من أجل الضغط على شيوخ عشائر المدينة(الجغايفة والبونمر تحديداً) من أجل كسبهم الى جانب داعش، لكنهم رفضوا، وكان ردّهم العملي هو إقامة سواتر للدفاع عن المدينة جنباً الى جنب مع قوات الجيش العراقي. وقتلوا كل من حاول التسلل الى المدينة من أجل التفجير فيها.
اشتد الحصار وشحّت المؤن. وصار كيلو الطحين بخمسة وعشرين الف دينار، ومع هذا اقتسم الجيش رغيفه مع أبناء المدينة. وصار اعتماد المدينة فقط على ما يأتي من مؤن عبر طائرات طيران الجيش.
وبدأت بالفعل هجمات التنظيم الارهابي تحاول كسر دفاعات المدينة، وتمكنت من احتلال جزئها الشرقي المسمى(بروانة)، لكن هذا الإحتلال لم يدم سوى عشرة ايام. استعادت قوات الجيش بعدها هذه الناحية، وقاتل ابناء المدينة فسقط منهم العشرات شهداء. ثم كرر التنظيم الإرهابي هجومه، لكن هذه المرة استخدم أكثر من 20 آلية مفخخة تقودها حيوانات بشرية انتحارية. وحشّد اكثر من 1000 من أتباعه.
لكن الهجوم فشل مرة اخرى!
سألت أبناءها عن السّر وراء هذا الصمود، فأعطاني كل واحد منهم اجابة متشابهة عن التمسك بالأرض، والتعاضد مع القوات الأمنية، باستثناء شاب صغير السن(ربما عمره 25 عاماً) أجابني بالسؤآل التالي: ليش تتوقع أنه ما ندافع عن مدينتنا بوجه الدواعش؟ ليش تتوقع أن أكاذيبهم تنطلي علينا؟
في الحقيقة لم يكن لدي من إجابة سوى أن ما حدث في حديثة هو أكثر من معقول(لمن يعرف أهلها)، وأكثر من خيالي(لمن لا يعرف أهلها).
هؤلاء الناس لم يفكروا بالاستثمار السياسي، ولا بالمؤثرات الطائفية. فكروا في شيء واحد فقط، هو أن مدينتهم يجب أن تبقى نظيفة من قذارات الدواعش..
أليس هذا سبباً كافياً للدفاع عنها؟