اعمدة طريق الشعب

لولا الاستفتاء! / مرتضى عبد الحميد

ثمة تساؤل مشروع تغص به حناجر الكثير من العراقيين، يتعلق بالعٌجالة التي أجري فيها استفتاء كردستان، والتداعيات السلبية الناجمة عنه، رغم الحق الذي لاجدال فيه بتقرير المصير. هذا التساؤل ينطلق من إمكانية بقاء الأوضاع في كردستان على حالها، وبرضا الثلاثي النافذ أمريكا وإيران وتركيا، لولا الاستفتاء ونتائجه المتوقعة لكل من يمتلك وعياً سياسياً، وان كان من الفئة المتوسطة.
لكن دور المستشارين على مايبدو، فضلاً عن الرغبة في الهروب إلى الأمام، كان لهما تأثير كبير في صناعة هذا القرار غير الناضج. فأغلب المستشارين في البلدان اللاديمقراطية، وكما هو معروف، لايٌسمعون الحاكم أو القائد إلا مايريد سماعه، بل أن البعض منهم يبالغون في تملقه وتزيين الصورة له، حتى وان كانت قاتمة، فلا يستطيع تجنب هذا المنزلق الخطير، إلا إذا شفعت له فطنته وذكاؤه في اكتشاف الحقيقة مبكراً، والتخلص منهم ومن زيفهم.
ماحصل في كركوك والمناطق المتنازع عليها، لم يكن عملاً عسكرياً بالمعنى المتعارف عليه، ولا هو حرب على الإقليم، وإنما هو اقرب إلى الصفقة التي تضاف إلى السجل السياسي العراقي المتخم بالصفقات على امتداد السنوات الأربع عشرة الماضية.
وقد أثبتت هذه التجربة المريرة من جديد، أن المراهنة على الأجنبي خطأ قاتل، ومضيعة للوقت، وربما للانجازات التي تحققت بنضالات وتضحيات غالية تعمدت بالدماء الزكية طيلة عشرات السنين.
من البديهيات في علم السياسة، أن القائد أو الزعيم، وان كان لايمتلك من الحنكة السياسية والذكاء الميداني إلا القليل، لابد له بحكم مسؤوليته من قراءة اللوحة المعقدة في البلاد وفي دول الجوار، وتوازنات القوى في اللحظة المعنية بشمولية دون اجتزائها، أو الأخذ بما يتناغم مع طموحاته ورغباته. وهو مالم يحصل مع الأسف الشديد.
لقد أنتجت العملية السياسية في العراق، الكثير من الأزمات، وصولاً إلى أزمة الاستفتاء، التي سٌداها ولحمتها أن الوقت لم يكن مناسباً لأجرائه، وهو مغامرة كبرى، خاصة عندما يكون الأمر وثيق الصلة بالأمن القومي لدول المنطقة، ويشكل تهديداً لمصالح اللاعبين الكبار. هؤلاء اللاعبين الذين بدونهم تعجز القوى والأطراف العراقية المختلفة عن التوصل إلى أية اتفاقات أو تسويات مهمة، اللهم إلا الاتفاقات السريعة للحفاظ على مصالحهم الأنانية الضيقة.
الآن وقد وقع الفأس بالرأس كما يقال، يفرض الواجب الوطني والقومي والشعور بالمسؤولية إزاء مصائر الناس، النزول من «بغلة» العناد والعودة إلى طريق الحوار، لإنقاذ مايمكن إنقاذه، وتجنيب الكادحين والمظلومين المزيد من الويلات والكوارث، والتضحيات المجانية.
أن الصراحة والشفافية وتقديم التنازلات المتبادلة، وقبلها ضرورة التحلي بتفكير سياسي جديد، يعتمد العقلانية والموضوعية، والرغبة الصادقة في تصحيح الأخطاء ومعالجة الخطايا، هو الطريق الذي لابديل له لحقن دماء العراقيين، عرباً وكرداً ومن القوميات الأخرى، وهو الضامن لان يأخذ كل ذي حق حقه، دون تعسف أو أكراه. ولا بأس في إشراك المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، والقوى الوطنية الديمقراطية العراقية، لإعادة جسور الثقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، التي هدمها الطرفان منذ أمد بعيد.