اعمدة طريق الشعب

فاسدو العراق لا شبيه لهم! / مرتضى عبد الحميدِ

يفخر العراقيون كثيراً وعن حق، بما قدمه اجدادهم من السومريين والبابليين وغيرهم للبشرية جمعاء، من انجازات وابتكارات كانت بمثابة الاسس التي بنيت عليها الحضارة الانسانية، وفتحت الطريق امامها، للابتعاد عن الحياة البدائية وما رافقها من ممارسات وحشية، قاسية، وصولاً الى ما يعيشه العالم اليوم من تطور علمي وتقدم تكنلوجي هائل، وازدهار اقتصادي، رغم التفاوت الطبقي الكبير الملازم للنظام الرأسمالي.
ولعل من اهم هذه الانجازات التاريخية، اختراع الكتابة، وتدشين الفضاء المعرفي والثقافي للإنسان في كل مكان. كذلك تشريع القوانين، وبناء المؤسسات التمثيلية، وان كانت مقتصرة على فئات اجتماعية دون غيرها.
هذا ما حصل قبل سبعة آلاف سنة. اما الآن وفي القرن الحادي والعشرين، فنجد ان المؤسسة التشريعية في العراق، تتنكر لكل هذا التاريخ المضيء والمشرف، وتسير في ذات الطريق المظلم، الذي بدأته منذ وقت طويل، وغرق الكثير من اعضائها في بحر الفساد المالي والاداري، بعد ان رفعوا راية المحاصصة الطائفية- القومية، واستظلوا بها طيلة هذه السنوات العجاف.
لقد ادعت الغالبية منهم، ان لم نقل كلهم، وتحت ضغط الحركة الجماهيرية والتظاهرات الواسعة في ساحة التحرير، وبقية المحافظات والمدن العراقية، انهم مع الاصلاح والتغيير، الذي رفعته الجماهير الغفيرة شعارا رئيسا لها، وطالبت به منذ عام 2011 حتى الان. وشخصت بسليقتها الثورية، ان المفتاح لعملية الاصلاح والتغيير يكمن في استبدال المنظومة الانتخابية السيئة الحالية، بمنظومة جديدة، ترتكز على قانون انتخابي عادل، يلبي حق المواطن في التعبير عن رأيه بحرية كاملة، ويفسح المجال امام اصحاب الكفاءة والنزاهة والوطنية للوصول الى قبة البرلمان، وعلى مفوضية انتخابات مستقلة فعلاً، لا تنحاز الا الى الشعب والوطن والضمير.
لكن ما فعله مجلس النواب مؤخراً، ولا سيما الكتل المتنفذة فيه، وبعد مناورات وصفقات حزبية وطائفية مشينة، هو «انتخاب» مفوضية جديدة، لا تختلف عن سابقتها الا بالوجوه فقط، وعلى وفق الاسس السابقة ذاتها (5 اعضاء للشيعة و 2 للسنة و2 للأكراد، واثنين للمسيحيين والتركمان دون ان يكون لهما حق التصويت!) متنكرين في ذلك للوعود التي قطعوها لناخبيهم، ولكل ابناء الشعب العراقي.
والغريب في الامر، ان كل المخاطر التي تحيق بالوطن الان، وبضمنها التقسيم، ومغامرة الاستفتاء، وعدم انتهاء الحرب ضد «داعش».. والدمار الذي سببوه هم انفسهم للشعب العراقي وعلى جميع الاصعدة، لم تٌحرك فيهم ذرة من ذرات العقل، ومن الوفاء لهذا الشعب المبتلى بطاعونهم.
ما فعله مجلس النواب، والفاسدون فيه تحديداً، هو رسالة الى كل العراقيين بأن هؤلاء النواب لا يمتون اليهم بصلة مهما كانت واهية، حتى وان وزعوا البطانيات والصوبات وانواع الرشى قبيل الانتخابات.
ان الكرة الان في ملعب العراقيين، وعليهم لفظهم كما تلفظ النواة في خضراء الدمن، وانتخاب ابنائهم الحريصين كما حدقات العيون على مصالحهم الجذرية، وحقوقهم التي كفلها الدستور، والبعيدين كل البعد عن هذا السقوط الأخلاقي.
انهم لا يشبهون حتى الفاسدين في الدول الاخرى!