اعمدة طريق الشعب

أفراد بحجم جماعة / قيس قاسم العجرش

لسبب ما لا تجد المبادرات الإيجابية طريقها الى العلن ومعرفة الناس بها، مثلما تجد المساوئ والزوايا المعتمة طريقها.
ومع هذا، نجد أن هناك شيوعاً لحالة عدم الاكتراث التي تغذيها الطائفية السياسية المتحالفة مع الفساد.
هذا المعقد الدبق! المتكون من طائفية سياسية - تعمية على الحقائق- ترويج لحتمية الخراب، ساهم فعلاً في خمول الإرادة العامة للناس تجاه التغيير. وشاعت جملة» كلهم حرامية!» على ألسن المنتقدين دون أن يتجرّأوا على انتقاد وجهة الصوت التي نالت تصويتهم الإنتخابي.
ومع هذا، فالحراك المجتمعي لا يتوقف، ولا يصاب بالإحباط مثل الأمل الخافت في التغيير والإصلاح السياسي.
ولا نجد تقريباُ بلدة عراقية في الجنوب أو الوسط أو الشمال إلّا وفيها مبادرة انسانية مستقلة تقدم الرعاية والعون للمحتاجين. صور من التكافل الإجتماعي قلّ نظيرها، وجميعها تقريباً تشكو من همّ واحد: محاولة السياسيين «شراء» هذا النشاط مع اقتراب الانتخابات.
هؤلاء المُبادرون يعرفون ويميزون بين اليد التي تمتد لتعينهم والأخرى التي تحاول شراء تصالحهم مع أنفسهم وتسميم كل شيء، وجعل السياسة وكأنها قدر مقدّر علينا أن نراها وهي تستغل كل شيء ونحن مكتوفي الأيدي.
قبل بضعة أيام ساهم اهالي منطقة متعبة من مناطق اطراف العاصمة في بناء مدرسة كرفانية تضم أولادهم وبناتهم، بدلاً من تركهم يمشون مسافات طويلة الى مدرسة بعيدة ومكتظة.
قبيل افتتاح المدرسة الجديدة ظهر لهم مبعوث شيطاني، يعرض عليهم أن يجهز سيّده السياسي المدرسة ببضعة مراوح وسبورات ومصابيح مقابل أن يلتقط صوراً وهو يفتتحها ويحضر حفل الإفتتاح. وكان من ضمن الصفقة مبلغ مهم يُدفع لأحد القائمين الفعليين على بناء المدرسة.
كانت النتيجة مثل ما يقول البغداديون «رزالة مربّعة!»، حيث رفض الناس عرض هذا السياسي، فصار اسمه مثل العلكة في أفواه الناس وأهالي الطلاب والطالبات، وصار هو وحزبه محل استهزاء بدلاً من الحصول على الشهرة التي كان يبتغيها.
الآن باشر الطلاب في مدرستهم، وعلى الجدران رسموا زهوراً، وعلى السياج الخارجي زرعوا بضعة نبتات للزينة. وشهد اليوم الأول حملة مبسطة للطلاب تعلمهم كيف ينظفون مدرستهم بعد يوم من الدوام.
وترسخ في عقل هؤلاء أيضاً اسم السياسي الذي حاول أن يستغل فرحهم هذا في التعبئة لنفسه. كذلك لن ينسوا حزبه الذي حاول أن يسرق منجزهم الصغير، وعرفوا أن هذا المنجز كبير جداً الى درجة أن هذا الحزب المشهور حاول سرقته!