اعمدة طريق الشعب

محاربة الفساد تبدأ بإنهاء المحاصصة / مرتضى عبد الحميد

لا يكاد يختلف إتنان على أن الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة، وحاضنتهما الأرأس هي المحاصصة الطائفية- الاثنية. فمنذ لحظة سقوط النظام الدكتاتوري، ومجيء الحاكم المدني "بول بريمر" دخل العراق في مرحلة تاريخية جديدة، أرادها المحتل أن تكون على مقاسه. تجاوب معه المتعطشون إلى السلطة، ولو على جماجم العراقيين، فأنتجت هذه الشراكة البائسة واللاأخلاقية دولة المكونات، التي قادت البلد إلى الحضيض.
كان "بريمر" يعلم جيداً، أن الثالوث المحاصصي الطائفي – القومي الذي أوجده، سيكون مرتعاً للفساد المالي والإداري، وهو ما كان يريده ويعمل من أجله، وليس خطأ أو عدم معرفة بأوضاع العراق وشؤونه كما يفسره البعض بحسن نية.
والكل يتذكر تصريحه الشهير، عن لقائه الأول بحكام العراق الجدد، وكيف كان يخشى أن يقدموا له قائمة طويلة بما يريده الشعب العراقي، لكنه فوجئ بطلب وحيد، هو السؤال عن مقدار رواتبهم؟! فشعر بالارتياح حسب تعبيره، وأسند ظهره إلى الكرسي الجالس عليه.
من يومها وجرثومة الفساد، تنتقل بحرية في الجسد العراقي، لتحتله كله أو جلّه، لا فرق كبيراً في ذلك.
الآن جاء السيد العبادي وهو يحمل مبضعه، لإجراء عملية جراحية من الوزن الثقيل، يجتث بها أورام سرطان الفساد، وينقذ العراقيين من شرّه. بيد أن صالة العمليات كما نرى ليست نظيفة إلى الحد الذي يضمن نجاح العملية، فجراثيم المحاصصة ما زالت تملؤها، والشرط الذي لا غنى عنه هو القضاء عليها أولاً، ثم إنفاذ القوانين الرادعة بحق هؤلاء اللصوص، على أن تكون البداية بالأقربين، فهم أولى بالمعروف، وبطبيعة الحال سيكون هذا المعروف في صالح الشعب العراقي وليس في صالحهم.
إن الفرصة سانحة الان أمام العبادي لتقويض هذا الصرح الإجرامي، بالاستناد إلى ما تحقق من انتصارات رائعة على داعش وعناصر الإرهاب الأخرى، والـتأييد الشعبي غير المسبوق لمشروعه النبيل هذا، شريطة التحرك على وفق خطة مدروسة، يستطيع من خلالها تجميع وتوحيد عناصر النجاح الكثيرة التي في متناول يده ، مع عدم الاستهانة أو الاستخفاف بالفاسدين، وخصوصا الكبار منهم، الذين يمتلكون العديد من مصادر القوة والمنعة، سواء كانت أموالاً حصلوا عليها من السحت الحرام، أو غطاءً سياسياً ربما يكون مؤثراً، وحاشيات تأتمر بأمرهم، بل حلفاء مستعدين للدفاع عنهم، وفق قاعدة "شيلني وأشيلك".
إن الدعوة الى تسليم الأموال التي سرقوها، بدلاً من أن يحاسبوا أو يسجنوا، لا تختلف كثيراً عمن ينفخ في قربة مثقوبة، وستقابل بتهكم من قبلهم. فهل يعقل أن يسلموا ما سرقوه عن طيب خاطر، بعد أن تعبوا وتفننوا في الاستحواذ عليه؟!
لقد فرح بعضهم ممن لم ترد أسماؤهم في القائمة المسربة إلى وسائل الإعلام، وأقاموا حفلاً باذخاً بالمناسبة، ظناً منهم أن حبل النجاة أصبح طوع بنانهم، كما أن الفاسدين في القطاع الخاص يتصورون أنهم بمنجى من الفضيحة والمحاسبة.
فليكن القرار حازماً، وشاملاً لجميع الحثالات الفاسدة، مهما كان موقعها الوظيفي أو الاجتماعي، والكبار منهم قبل الصغار.