اعمدة طريق الشعب

ازمة المياه.. تهديد خطير لمستقبل الاقتصاد العراقي / ابراهيم المشهداني

ان بلاد ما بين النهرين، بتوصيفاتها الرومانسية عبر قرون، ظلت تداعب الذاكرة العراقية، ويبدو انها تواجه تهديدا جديا بفعل عوامل الطبيعة وطريقة تفكير دول الجوار التي تتعامل بالغطرسة لأنها تهيمن على منابع نهري دجلة والفرات وروافدهما، التي تنبع من الشمال والشرق، دون الاحتكام الى الضمير الانساني واحترام الجيرة، حتى اخذوا يقارنون بين الثروات المائية والثروات النفطية، وبدأوا يضعون برميل الماء مقابل برميل النفط بكل صراحة في وسائل الاعلام.
ان المتابع للتصريحات الرسمية من قبل المختصين يلاحظ أنها تنذر بخطر شح المياه في الصيف القادم بسبب السياسات المائية للجارة تركيا، ففي آذار ستفتتح سد اليسو، وهذا السد هو جزء من مشروع الغاب الذي يشكل اكبر مشروع في الجنوب الشرقي من تركيا، وان اقامة هذا المشروع بالأساس يحمل في جوهره هدفين، الاول ذو ابعاد سياسية له علاقة ببعثرة التركيبة السكانية للأكراد الاتراك ومحاولة الحد من تصاعد حركة التحرر الكردية التي وضعتها على قائمة الحركات الارهابية، وحاولت استمالة مواقف بعض بلدان العالم وخاصة اوروبا وامريكا لهذا التوصيف. والهدف الاخر شعور الحكومة التركية في تسعينات القرن الماضي بالغطرسة والتعالي على حكومات دول الجوار حينما اعتبرت الموارد المائية هي موارد تركية عابرة للحدود.
ومما يجدر ذكره في هذا المجال ان العلاقات المائية بين العراق وتركيا مرت بعدة مراحل كانت بدايتها ايجابية، ففي عام 1946 ابرم اتفاق تعهدت بموجبه تركيا بحقوق العراق المائية والامتناع عن القيام بما يضر بمصلحته عند استغلالها للموارد المائية المشتركة، وهذا الاتفاق حتمته معطيات اهمها التقارب والاصطفاف السياسي بين الدولتين، فضلا عن عدم توفر الامكانيات المادية المطلوبة لتنفيذ مشاريع كبرى كما يحصل الان في اعالي النهرين.
ان شحة المياه تنعكس اثارها السلبية على عدة جوانب، اهمها انتاجية الارض وتفاقم ظاهرة التصحر وتكثيف العواصف وجفاف الاهوار، التي وضعت على قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو، لكن الحكومات ما بعد منتصف السبعينات لم تأخذ على محمل الجد الازمات التي ستتعرض اليها الموارد المائية، خاصة وان العراق يقع ضمن المنطقة الجغرافية المعروفة بمناخها الجاف، فلم تقم بمتابعة هذا الملف الشائك وتكثيف لقاءاتها مع الحكومة التركية من اجل التوصل الى اتفاق يضمن للعراق حقوقه الشرعية في الموارد المائية، ولم تهتم بإقامة الخزانات المائية بما يكفي لضبط ايقاع توزيع المياه بين المحافظات بصورة عادلة، او تبطين الجداول المائية، او استخدام الري الحديث.
ان الحديث عن مواقف الجارة ايران لا يختلف من حيث الضرر عن مواقف تركيا، فلم تتشاور مع الحكومة العراقية عند اقامتها السدود عل الروافد النابعة من اراضيها، بالرغم من ان العراق تحول الى سوق لبضائعها التي تقدر بأكثر من ثلاثة عشر مليار دولار سنويا. واثرت تلك السدود على توقف الزراعة لمئات الالاف من الهكتارات الزراعية وهلاك الالاف من الحيوانات. ومهما يكون من امر هذه الازمة الخانقة فان الحكومة العراقية مطالبة باتخاذ اجراءات سريعة ومن بينها :
• فتح هذا الملف مجددا مع الحكومة التركية استناداً الى اتفاقية عام 1946 التي تعهدت تركيا بموجبها بعدم الحاق الضرر بالعراق، خاصة وانها تخطو في اتجاه فتح سد اليسو في آذار القادم.
• اللجوء الى القانون الدولي المتعلق بتوزيع الموارد المائية بين الدول المتشاطئة، والاستفادة من مجموعة الاتفاقيات والمعاهدات والاجراءات والاليات والمبادئ الدولية الناظمة للعلاقة بين الدول المتشاركة في الموارد المائية. ومن الممكن الرجوع الى اتفاقية هلسنكي لعام 1966، وهذه الاتفاقية تمثل خطوة كبيرة في ترسيخ المبادئ العامة لقانون المياه الدولي وروح هذا القانون.
• قيام ادارة مشتركة تقوم على مبادئ الانتفاع المنصف والمعقول، وتجنب الاضرار بالشركاء، فلدول المصب، كما لدول المنبع، مصالح دبلوماسية وسياسية.
• تفعيل مناقشة مشروع قانون المجلس الوطني للمياه من قبل مجلس النواب، حيث ان تشريع هذا القانون الذي يتمتع بصلاحيات واضحة هو آلية فاعلة لإصلاح القطاع المائي ومواجهة التحديات التي تواجه هذا الملف المهم.