اعمدة طريق الشعب

عاقل وحليم من يشارك في الانتخابات / محمد عبد الرحمن

في عشية كل انتخابات سواء لمجالس المحافظات ام لمجلس النواب يتكرر الجدل بشأن جدوى المشاركة فيها، وتبرز أصوات تدعو المواطنين الى عدم الذهاب الى صندوق الاقتراع والى مقاطعة الانتخابات . ولهؤلاء الدعاة جميعا دوافعهم ، ومنها بالطبع دوافع مخلصة وحريصة، تبحث عما هو أفضل لإنقاذ العراق مما هو فيه من أزمة او أزمات او خليط منها قل نظيره في بلدان اخرى ، ولكن فيه ، ايضا ، آفاقا وامكانيات. لكن هناك بين هذه الأصوات ما هو نشاز حقا ويتمنى اصحابه ان ترجع عقارب الساعة الى ما قبل نيسان ٢٠٠٣ . فهم خصوم ألداء للعملية السياسية بقضها وقضيضها، وبالتالي لا جديد في مواقفهم ولا غريب في قولهم ان كل من يشارك في الانتخابات هو " احمق وجاهل ". ويبقى هناك قسم آخر لا يعرف حقا ما يريد .
لن نتوقف عند مواقف البعض المعروفة، فحال هذا البعض حال الحطيئة ، هو خارج التغطية والزمان والمكان . ولكن نرى الحوار مفيدا مع من يريد ويتطلع الى عراق آخر، وتتطابق مواقفه مع الكثير من المدنيين والديمقراطيين والشيوعيين والوطنيين . فهو يتألم لما وصلت اليه احوال بلدنا، وسط اصرار المتنفذين المسؤولين عن ذلك على إدامة سلطتهم عبر المحاصصة والطائفية السياسية والفساد، وتفصيل المنظومة الانتخابية على مقاساتهم الى جانب استغلال الدولة ومؤسساتها والمال السياسي. ويعتقد هؤلاء المخلصون انه بمقاطعة الانتخابات يتم نزع الشرعية عن المتنفذين ، من دون ان يعرفوا انه لا توجد نسبة محددة للمشاركة، تعتبر الانتخابات لاغية في حال عدم تحقيقها. وحتى لو وجدت هذه النسبة، فان المقاطعة لا تعني سوى اتاحة فرصة اخرى للحكام للبقاء والاستمرار في مواقعهم التي يقاتلون للاحتفاظ بها.
ويتوجب القول ايضا انه بقبول الديمقراطية كخيار لتداول السلطة، لا يفترض ان يتوجه التفكير من بعيد او قريب بصيغ اخرى. ولكن هذا بحد ذاته لا يحول دون التفكير والعمل من اجل بناء معارضة قوية وفاعلة وضاغطة، سواء في البرلمان ام في الشارع. وتجارب الـ ١٤ سنة الماضية دليل ساطع على ذلك . اما المشاركة والمساهمة في السلطة التنفيذية فامر آخر، يخضع لتقديرات سياسية ولمدى القدرة على توظيف المشاركة وإمكانية ضمها الى قدرات التأثير في الحياة السياسية .
والحديث هنا يدور طبعا، وكما أسلفنا، عن القوى الحريصة فعلا على إنقاذ البلد وإجراء الإصلاح المطلوب، وليس إدامة النفوذ عبر الاختفاء وراء هذه الكلمات لتحقيق ما هو ذاتي بعيدا عن المصلحة العامة .
ولكن لماذا ينصرف التفكير، خصوصا عند من لا غبار على صدق مواقفهم، الى البقاء الأزلي في صفوف المعارضة، ولماذا لا يجري التفكير بكسر هذه الحلقة التي إن استمرت لا تخدم الا الفاسدين والطائفيين ؟!
ومن المؤكد ان كسر احتكار السلطة ودحر نهج المحاصصة، لا يتحقق من دون عمل تراكمي ونضال متواصل بوتائر متصاعدة، من جانب قوى وكتل سياسية خيارها المواطن والتغيير نحو الافضل، وهي قادرة على فعل ذلك في البرلمان وفي الشارع على حد سواء .
وفي جميع الأحوال فان الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها ، بل هي احدى روافع التغيير المطلوب ، وما المشاركة فيها، بغض النظر عن العديد من المعوقات التي وضعها المتنفذون ، سوى إسهام فاعل في تحقيق ذلك .