ادب وفن

وفاء عبد الرزاق لغة جديدة في الشعر الشعبي

محمد علي محيي الدين

وفاء عبد الرزاق شاعرة بصرية لها امتدادها الشعري في الخارطة العراقية و لها حضورها المتألق في نوادي الشعر ومنتدياته بما قدمت من قصائد رائعة حازت الإعجاب والتقدير، وشاركت في الحياة الثقافية من خلال اهتماماتها المتنوعة التي لم تقتصر على الشعر الشعبي، بل كانت لها قصائدها الفصيحة ومشاركتها الجادة في الإنتاج الثقافي في مجال القصة والرواية وكتابة الخاطرة،ولغرض الإلمام بما قدمت هذه الأديبة الشاعرة رأيت تقديم نبذة بسيطة عن نشاطها الإبداعي قبل الولوج في عالمها الشعري ودراسته، فهي من مواليد البصرة الفيحاء، درست في مدارسها وحصلت على دبلوم المحاسبة، و?اجرت إلى بلاد الغربة لتسكن مدينة الضباب وتمارس نشاطها الإبداعي من خلال منابرها الثقافية فكان لها حضورها المتميز في منتديات العاصمة، والمشاركة الفاعلة في الأنشطة الثقافية فيها مما أهلها أن تأخذ مكانها بين الجالية العراقية هناك، فهي سفيرة نادي ثقافة أطفال العراق الأيتام - لندن م (النخلة البيضاء) والمديرة الدولية للمشاريع الخيرية والإنسانية لمؤسسة النخلة البيضاء والمديرة التنفيذية ومسؤولة المتابعات الخارجية لمهرجان العنقاء الدولي الرحال، وقد حازت على جائزة المتروﭙوليت نقولاَّوس نعمان للفضائل الإنسانيَّة لعام ?008 عن مخطوطها المعنون (من مذكرات طفل الحرب) لبنان، وجائزة (قلادة العنقاء الذهبية للإبداع) التي يمنحها (مهرجان العنقاء الذهبية الدولي) لعام 2008، وعلى وسام الوفاء (نادي ثقافة الأطفال الأيتام) وشاركت في تأسيس (كالري النخلة البيضاء) و(دار النخلة البيضاء لرعاية وتأهيل أطفال الشوارع) العراق، وهي عضو في حركة شعراء حول العالم، شيلي، وعضو مؤسس في مؤسسة رسول الأمل، لندن، وعضو في منظمة كتاب بلا حدود ألمانيا، وعضو في رابطة الأدباء العرب. مصر، وعضو في منتدى الكتاب المغتربين لندن، وعضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب?في العراق، وعضو إداري في المنتدى العراقي لندن، وعضو في الملتقى الثقافي البحرين،وعضو في الملتقى الثقافي العراقي سوريا، وعضو في منظمة كتاب بلا حدود ألمانيا وعضو في رابطة أديبات الإمارات. وعضو في جمعية الشعراء الشعبيين العراق.وعضو في منتدى القصة السورية سوريا. وعضو في اتحاد كتاب الانترنيت العرب، وقد نشرت في العديد من الصحف والمجلات العربية وتُرجمتْ بعض أعمالها إلى اللغة الانجليزية والفارسية والفرنسية والايطالية والتركية، وساهمت في العديد من المهرجانات الشعرية والأمسيات الثقافية عربياً وعالمياً، وشاركت في مهرج?ن السلام العالمي للشعر، فرنسا، وقد ترجمت بعض الأعمال الشعرية إلى اللغة الفرنسية في موسوعة السلام العالمي للإبداع، وترجمت إشعار (من مذكرات طفل الحرب) إلى اللغة التركية ضمن موسوعة السلام للطفل، وترجمة ديوان (من مذكرات طفل الحرب) إلى اللغة الانكليزية والفرنسية والايطالية، ضمن مشروع فلم يدعو إلى السلام العالمي باسم الطفل العراقي وستصاحب عرض الفلم بعد انجازه تظاهرة فنية أدبية وذلك بجهود فنانين وكتاب وشعراء آمنوا برسالته وتطوعوا للعمل في هذا المشروع.
ومن دواوينها المطبوعة، هذا المساء لا يعرفني/ حين يكون المفتاح أعمى/ للمرايا شمسٌ مبلولة الأهداب/ نافذة فلتت من جدران البيت/ من مذكرات طفل الحرب إصدار باللغة الفرنسية لعام 2008 / من القارات الخمس / فرنسا - بالعربية (دار نعمان) لبنان/ أمنحُني نفسي والخارطة (قيد الطبع) العراق/ حكاية ٌ منغولية كتاب الكتروني/ البيتُ يمشي حافيا، مخطوط، وفي الشعر الشعبي: مزامير الجنوب/ أنه وشويّة مطر/ قوّسَت ظهر البحر/ بالكلب غصّة/ مركب تايه، ولها المجاميع القصصية والروائية: إذن الليل بخير/ بعضٌ من لياليها (مخطوطة)/ تفاصيل لا تسع? الذاكرة (رواية شعرية) / بيتٌ في مدينة الانتظار/ أقصى الجنون الفراغُ يهذي (قيد الطبع)/ السماء تعود إلى أهلها (قيد الطبع) وربما هناك آثار أخرى فاتنا الإشارة إليها.
تميز شعرها الشعبي بخصائص متميزة فقد استطاعت توليف المفردة الشعبية بما يتوافق والمتلقي من الجالية العربية التي اتخذت من المنافي سكنا لها، ولحاجتها في إيصال ما تريد اضطرت للابتعاد عن غريب اللغة واللهجة الشعبية باختيارها لمفردات يمكن تفهمها من قبل الآخرين، في محاولة لجعل الشعر الشعبي العراقي مقبولا من المستمع الذي يجهل طبيعة المفردة الشعبية ومعناها، لذلك لجأت لاختيار لغة وسطية بين الشعبي واللغة المحكية المتداولة في الأوساط العربية، فليس من الصعوبة بمكان على العربي تفهم المفردة الشعبية العراقية لقربها الشديد من الفصحى عند إعادة الحروف المهجنة الى طبيعتها الأصلية، وتحت يدنا آلاف المفردات الشعبية التي هي فصيحة ولكن تناساها الكتاب لاعتقادهم بعاميتها.
تميز شعرها بالدفق والحيوية والصورة الموحية المجترة من الواقع الملموس فلا غرابة أو تعقيد وإنما هي صور تلونت بألوان قزحية تأخذ من مخيلة القارئ مكانها لما فيها من واقعية ممزوجة بخيال شفاف أعطاها بعدا جماليا يأخذ بالألباب ويجعل المتذوق غارقا في دوامة من الترقب والتلهف لاجترار الصورة الآتية التي تأتي دائما في مكانها فكأنك تشاهد لوحة خطتها يد فنان ماهر فلا تعقيد أو نشوز في المتخيل ولا ابتعاد عن واقع وإنما هي تجليات تجدها غائرة في داخلك آن لها أن تظهر من خلال دفق الكلمة الشاعرة ورقة المفردة الموحية ورهافة الحس وا?سيابية القافية وروعة الإلقاء بتلك الرقة والغنج الأخاذ، وتتراكم أمامك الصور بتجليات تجعلك تطوف في عالم سحري خلاق:
علـّمتني شلون أحبك..هسّه جاي تريد أنسى؟
علـمتني حدودي تتلاشى وتذوب
وبحدودك صافية تغفى الذنوب
وعلّمتني شلون أحط شفتي على وردة وعنها أنوب
عطبّت گلبي بجمرتك گتله توب
علــّمتني شلون أضم جمري بحسرتي وبيها ألوب
علــّمتني تبعد بروحي أعتنيك
وعلـّمتها الوحشة تذبل من تجيك
وشاورتني تعافي بيـّه وشاورتها
جروحي تتعافى بحزنها
وعلّمتها تصير عين تلملمك لفة جفنها
وتغفى بسوادة حضنها
وطاوعيت دموع عيني بيدك تمسّح تعبها
ومن تسافر سِچّـة چتافك لعبها
وأنتَ غفران السوالف يدفن سنينه بذنبها
هسّه جاي تريد أنسى وعندي لك گعدة فياي
وعندي لك شكبان ماي؟ يعطش بساحل حنيني
ينشد حروف الرسايل بيا حرف ترضى تجيني
بالنفس أعلـگ شمعتك وأضوي بدموع الشموع
هسّه جاي تريد أموع
نيّمت آخي بحلمها
هسّه جاي تريد المها
تريد اصّحيها وأعيد
واطلع بمودة عذابي..عيد لابسني جديد؟
شلون اشيل النزِف بيدي..شلون اهيد
انت ﮔتلي النهر يفرح من يفيض
وفيّضيت سماي عيني وأنت گيظ
وإشتراني الليل وبأيدك بعتني
مشـّطتها الگذلة ﭽرغد..بيها يتلولح جبيني
صَبّغت گـصتي بسوادك..ولسّه أحسّك ماي عيني
علّمت روحي تحبك..لا الوكت خلاّني أنسى
ولاني منّه تعوّديت
عوَّدت سَچّـين ظهري تنحني
لا هي ملـّت..ولاني ملـّيت وحنيت
هسّه بصدودك حنيت
علـّمتني بيك أحبك
شلون.. بيك.. تريد.. أنسه؟.
وعالم وفاء واسع جدا واهتماماتها المتعددة تجعل الدارس حائرا في اختيار الفن الأدبي الذي تميزت به، فهي شاعرة شعبية لها في عالم الشعر الشعبي روائع خوالد تعد في الطليعة من الكاتبات بلغة الشعب، وفي القصة لها إسهامات جعلتها عنوان للأدب النسوي المتميز، وفي الشعر الفصيح أصدرت دواوين عدة ترجمت للغات الأجنبية، وتميزت فيها بما تطرح من آراء جريئة وأفكار جديدة وصور بديعة ميزتها عن غيرها من الشاعرات العراقيات، وهذه الاهتمامات المتعددة، تجعل من عالمها الرحب عصي على مقال أو دراسة لأن كل جانب من هذه الجوانب يحتاج لبحث قائ? بذاته، لنتمكن من الولوج إلى عالمها الرحب، وبيان قدرتها التعبيرية لهذا الفن أو ذاك.
ومن خلال ديوانها الرائع: عبد الله نبتة لم تقرأ في حقل الله" الصادر عن دار الحكمة في مصر عام 2010 الذي يمثل جانبا لم يطرقه الشعر الشعبي، أو يتناوله الشعراء لما فيه من رؤى يعسر تناولها على غير المحيط بعالم الطفل وتوجهاته وطريقة تفكيره، تناولته بأسلوب مسرحي أضفى عليه بعدا جماليا لما فيه من تجربة ناتجة عن وعي متجذر وآخر قصير الامتداد، وهو يصور مراحل معينة من حياة الطفل وممارساته وأحاسيسه وهو ما لا يستطيع التعبير عنه إلا من ألف حياة الطفل وخبر مراحلها المختلفة، من الصرخة الأولى حتى البلوغ، والقدرة على التصوير ل?حت واضحة في الصور التي استطاعت توليفها من معاناة الطفل ورغباته ونزعاته وحاجاته التي لا يستطيع سبر أغوارها إلا من مر بتجربة مكتملة.
ووفاء في هذا الجانب استعارت من المخيلة الشعبية صور أضافتها لما هو مألوف في تربية الطفل وتنشئته فجاءت أفكارها معبرة خير تعبير عن هذا الواقع لذلك تستشف من تجربتها صورة لعبد الله النبتة التي لم يظهر من معالمها ما ينبئ عن ماهيتها وطبيعتها إنها ترسمه أمل مشرق لمستقبل ليس الى إدراكه سبيل:
جاهل لملم غابه بحضنه
وطيب ورد الجرح بجفنه
وثلموا نور
يا بستان عيونچ يمه
جناح مسمسم
ومن يومتها
نرسمت شمسه عله المزلاگه
ونجمه تعلگت بالتنور
فهي ترى فيه الغد الآتي والمستقبل الذي يغير من ديناميكية حياتها، وجوده نور يتسلل ليخفف من ظلمتها وما يرافقها من معاناة فرضتها طبيعة المجتمع.