ادب وفن

الدورة 65 لمهرجان برلين السينمائي الدولي ـ البرليناله 2015 اكتشافات جديدة في عالم السينما المعاصرة

عصام الياسري
تنطلق مساء يوم الخميس الموافق 5 فبراير/ شباط 2015 الدورة 65 لمهرجان برلين السينمائي الدولي الـ "برليناله"، وتنعقد هذه الدورة في زمن يواجه فيه العالم اعمالاً ارهابية منظمة. كما يشهد هنا وهناك العديد من الاحداث التي لا يتقبلها "العقل البشري" ويجري بإسم "الدين" تدمير الأرث الحضاري والنيل من "الثقافة" الوسيلة الهامة لإنماء الوعي الإنساني وانجاز الاصلاح السياسي والاقتصادي، كما هو الحال اليوم في العراق وسوريا وليبيا ومصر ولبنان. ويتعرض العلماء والمفكرون والمثقفون والإعلاميون للقتل والاختطاف، الأمر الذي أدى إلى هجرة الآلاف منهم إلى خارج اوطانهم حيث يعانون من ألم الغربة والحنين لبلدهم وذويهم. ويبدو أن الارهاب لا حدود له وليس ثمة من يقدر على مواجهته أو الحد من نتائجه، كما حدث مؤخرا في عاصمة اعرق دولة اوروبية ـ باريس.
في 27 فبراير/ شباط 2015 عقدت اللجنة المنظمة لمهرجان برلين السينمائي العالمي"البرليناله" بمشاركة رئيس المهرجان د. ديتير كوسلك Dieter Koslik، مؤتمراً صحفياً في المركز الصحفي التابع للحكومة الألمانية، والواقع على ضفاف نهر شبريه "Spree" الشهير الذي يخترق العاصمة الألمانية برلين. وقام فريق العمل المسؤول عن إدارة وتنظيم المهرجان، بإستعراض برنامج المهرجان الذي سينطلق هذا العام بالتوازي مع "سوق الفيلم الأوروبي EFM" من 5 وحتى 15 فبراير 2015، وستعرض خلال أيام المهرجان أكثر من أربعمائة مؤسسة من جميع أنحاء العالم أحدث إنتاجها السينمائي. أما "سوق البرليناله للإنتاج المشترك" Berlinale Co-Production Market وهو صندوق خاص لتمويل صناعة الفيلم في مجال الإنتاج الدولي المشترك والذي تديره لجنة محترفة في "أعمال الإنتاج وكتب السيناريو" فقد رشح لهذا العام اكثر من ثلاثين مشروع فيلم دولي، وتقوم مجموعة متخصصة من المخرجين والمنتجين من الدول الاعضاء بالحكم عليها.
أعلنت إدارة المهرجان في مؤتمرها الصحفي أسماء لجنة التحكيم المكونة من ثمانية أعضاء على رأسهم الأمريكي الحائز على عدة جوائز عالمية المخرج دارين أرنوفسكي Darren Aronofsky، رئيساً للجنة التحكيم. وعضوية : الألماني دانيال برول Daniel Brühl وهو واحد من أهم النجوم الألمانية الذي حقق في فترة قياسية نجاحات في اوروبا والولايات المتحدة وحاز على جوائز عدة، احدث اختراقا باهرا في فيلمه "وداعا لينين" الذي شارك في العام 2003 في افلام المنافسة في البرليناله.. الكوري الجنوبي بونغ جون هو Bong Joon-ho درس علم الاجتماع قبل أن يتخرج من الأكاديمية الكورية لفن السينما "كفى" في البداية كان يعمل ككاتب سيناريو ومساعد مخرج في حين انه أخرج العديد من الأفلام القصيرة على التوازي.. الامريكية مارثا دي لورينتس Martha De Laurentiis التي أسست في عام 1980 جنبا إلى جنب مع زوجها دينو دي لورينتس في مارثا شركة إنتاج تحت اسم دي لورينتس. ومنذ ذلك الحين، تكون مسؤولة عن إنتاج أكثر من 40 فيلما روائيا ومسلسلات تلفزيونية.. كلوديا لوسا Claudia Llosaبيروـ بدأت حياتها المهنية مع العمل الترويجي قبل أن تأسس شركة انتاج خاصة بها. دخلت عالم السينما في أول فيلم روائي طويل عام 2006 Madeinus. بعد ثلاث سنوات حصلت على دعم من صندوق السينما العالمية لانتاج فيلم La teta asustada "حليب الحزن" الذي تنافس في مهرجان برلين وحصل على جائزة الدب الذهبي وجائزة FIPRESCI. علاوة على ذلك، تم ترشيح الفيلم لجائزة أفضل فيلم أجنبي على الاوسكار.. الفرنسية أودري توتو Audrey Tautou كان لها اول دور بطولي في الفيلم الكوميدي "فينوس الجميلة" الذي حصل على جائزة سيزار الفرنسية. وجاء هذا الانفراج ليفتح الطريق امامها في جميع أنحاء العالم لتلعب دور البطولة في "عالم املي الجميل" لـ Jean-Pierre Jeunets، الذي حصلت على ترشيح لجائزة الفيلم الأوروبي في عام 2002 ورشح لجائزة سيزار أيضاً.. الامريكي ماثيو واينر Matthew Weiner المؤلف والمنتج التنفيذي لانجح مسلسل لاذع Mad Men "الرجل المجنون" الذي يجري حاليا بثه مع الموسم السابع والأخير على شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة، ويشاهده بانتظام ملايين الامريكيين.
الافلام المشاركة في المهرجان والتي تتنافس هذا العام على حصد أهم الجوائز الرئيسية هي من: ألبانيا، بلجيكا، بلغاريا، شيلي، ألمانيا، فنلندا، فرنسا، بريطانيا العظمى، غواتيمالا، هونج كونج / الصين، إيطاليا، إيران، اليابان، كندا، كوسوفو، المكسيك، هولندا، النرويج، بولندا، رومانيا، الاتحاد الروسي، السويد، سويسرا، اسبانيا، جمهورية التشيك، أوكرانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، فيتنام، جمهورية الصين الشعبية. أما مجموع الافلام التي تتنافس على جوائز المسابقة الرئيسية "الدب الذهبي والفضي" فهي 19 فيلماً، وأربعة افلام خارج المسابقة، فيما يحتفل 21 فيلما بعرضه العالمي الأول. وسيجري توزيع الجوائز في الحفل الختامي لمهرجان "البرليناله" الـ 65 يوم السبت 14 فبراير 2015، في سينما برليناله بالاست Berlinale palast الشهيرة.
وفي عروض المهرجان للفيلم القصير سيتنافس 27 فيلما من 18 دولة على جائزة الدب الذهبي والفضي، ورشح فيلم قصير لجائزة الفيلم الأوروبي. ولأول مرة ستقدم آودي هذا العام جائزة "ausgelobten" للفيلم القصير، الذي تبلغ قيمتها 20000 يورو. وتتكون لجنة التحكيم من: مخرجة ألافلام الوثائقية الهندية دوتا Madhusree Dutta والفنان التركي خليل Halil Altındereومن سنغافورة منتج الافلام هادي Wahyuni A. Hadi. وفي المسابقة سيتم عرض أحدث الأعمال السينمائية التي كتبها نداف لبيد، أميت دوتا، جنيفر ريدر، مات بورترفيلد، الفنان الثنائي دانيال شميت والكسندر كارفر، ميشا لاينكوف وماتياس فيرمكه بالتعاون مع لوتز هينكه وبيلي رويز وديتر كوفاسيك.
أما مجموع أفلام المهرجان 2015 التي ستعرض في 35 صالة سينما في مناطق عدة من برلين، بين روائي وتسجيلي وقصير، فقد وصل الى نحو 500 فيلم من مختلف القارات وأكثر من مئة دولة، موزعة على أقسام المهرجان كالفوروم ومهرجان أفلام الأطفال، والفيلم الألماني الحديث والبانوراما "تسجيلي وشبيسيال" بالإضافة إلى أفلام الديكتال وعروض التكريم "Hommage" والرتروسبكتيف وبرسبكتيف. كلها تحظى بإهتمام الجمهور ووسائل الإعلام المحلية والدولية.
تتناول العديد من أفلام مهرجان هذا العام مواضيع ساخنة، يغلب على بعضها طابع الإثارة والانفعال أو العنف، فيما يلامس بعضها الآخر مناخات دافئة لا تخلو من الرومانسيه والهوس العاطفي. وستعرض على هامش المهرجان، ضمن عروض الفوروم والبانوراما، أفلام روائية وتسجيلية لاحداث إجتماعية واقتصادية وسياسية هامة. كما سيكرم المهرجان أفلام وشخصيات أوروبية وعالمية، من الوسط الفني والسياسي والاجتماعي، ايضا، جوائز مادية ومعنوية مرموقة كجائزة الكاميرا الذهبية.
يفتتح مهرجان برلين السينمائي، الأكبر جماهيريا في العالم، فعالياته بعرض فيلم مشترك الانتاج، اسباني فرنسي بلغاري Nobody Wants the Night "لا أحد يريد الليل" للمخرجة إزابيل كوكسيت Isabel Coixet والذي تدور أحداثه في غرينلاند عام 1908. جوزفين، امرأة واثقة من نفسها، زوجة شجاعة لمكتشف القطب الشمالي الشهير روبرت بيري، الذي شرع في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى القطب لاستكشافه. اصرارها على الذهاب لان تلتقي زوجها، جعلها تقف امام واقع لم تعرفه من قبل. بيد أن سذاجتها جعلتها تتجاهل تحذيرات العارفين بمخاطر القطب والسفر قبل هبوط الشتاء. بعد تضحيات كبيرة، استطاعت البعثة التي انضمت اليها من الوصول الى قاعدة مخيم بيري. جوزفين، التي رفضت العودة، اصرت على قضاء فصل الشتاء وحدها في الكوخ، فقط، مع امرأة شابة من ابناء الاسكا تعرف البرد والثلوج. لكنها قررت أن تتعلم على التكيف مع ثقافة مختلفة وطريقة حياة جديدة غريبة عليها، من أجل البقاء على قيد الحياة في الجليد الأبدي.. الكاميرا تكشف لنا بشكل رائع بلاء الطبيعة وقلق الوحدة الذي يسود مشاعر الامرأتين على حد سواء، أيضاً، الضرورة من أجل البقاء على قيد الحياة في الحبس الوثيق والظلام.
وفي اطار البرنوراما الوثائقية للمهرجان سيعرض فيلم Iraqi Odyssey "اوديسا عراقية" للمخرج العراقي المقيم في سويسرا سمير.. وهو فيلم انتج عام 2014 وطوله 163 دقيقة وباللغات العربية والانكليزية والالمانية والروسية، انتاج مشترك، سويسرا المانيا العراق ودولة الامارات. الفيلم يتناول مصير أفراد اسرة سمير العراقية، اللاعبين الرئيسيين في ملحمة حقيقية، يعيشون في الشتات. الفيلم يعيدنا الى تاريخ لم تعاصره بعض الاجيال كما ويتيح لنا متابعة الاحداث التي عصفت بالعراق والعالم العربي خارج كل الكليشيهات. ومن خلال احتواء الممثلين ادوارهم بعناية يضعنا المخرج لان نشاهد عدة أجيال في حياة المجمع العراقي، من البرجوازية العلمانية، وحتى الدينية، انما يركز بشكل خاص على الاجيال اليسارية، ويبين المحيط العربي وكأنه قد نسانا. ثمة عصر عثماني يعود للذاكرة، وسنوات عهود بريطانية تتضح افقيا، الآمال من أجل الاستقلال، وقوة حزب البعث والتطرف في عهد صدام حسين، فضلا عن مسؤولية الغرب عن انهيار أجزاء كبيرة من العالم.. ينتشر أقارب سمير في جميع أنحاء العالم. الشوق إلى الوطن كان دائما سبيلهم الاقوى. والد سمير الذي ذهب إلى
العراق خلال الحرب العراقية الايرانية لقي حتفه هناك.

صور من فيلم
Nobody Wants the Night