ادب وفن

عن «بوسوليل».. صديق شارع المتنبي / كمال يلدو

لم يكن يوم الأثنين، 5 آذار 2007 متميزا بضحاياه ومآسـيه على بغداد وأهلها، ان كان ما يتعلق بالانفجارات أو القتل والدمار وحالة الفوضى العارمة، إلا في ما حمله من خبر كانت له دلالات مازالت الى اليوم عالقة وتبحث عن السبب والتفسير.
في ذلك اليوم، جرى استهداف "شارع المتنبي" شارع المكتبات والكتب والناس بسيارة مفخخة، أتت على الكثير من محاله وبناياته الغارقة بالقدم، فيما الانفجار 30 شهيدا وما لا يقل عن 100 جريح، وناراً مستعرة التهمت الكتب والمجلات والقرطاسية، ولشدتها، فأن مسؤولي الإطفاء ظلوا يكافحونها ليومين متتاليين.
اذن، استُهدف شـارع الفكر والمعرفة، استُهدفت الكتب، استُهدف الناس الذين يزورونه، وأستُهدف الباعة المتجولون، وحتى ممن ذهب الى هناك حاملا بعضا من كتبه، علّه يبيعها ويشتري شيئا ما بثمنها.
من هنا يبدأ شــــارع المتنبي
ومثل باقي الأخبار التي تتناولها وكالات الأنباء:
"انفجار يســتهدف شارع المكتبات والكتب في العاصمة العراقية بغداد"..
فمر الخبر من أمام السيد "بوسوليل Beau Beausoleil"، الشاعر وصاحب مكتبة لبيع الكتب والمجلات وهو يتصفح جريدة الصباح في مدينته، سان فرانسيسكو الأمريكية. أثارهُ الخبر، فبدأ البحث عن هذا الشارع وتأريخه، ولم يتوانَ عن سؤال بعض من يعرفهم، وعلم عن الضحايا، ناهيك عن احتراق عشرات المحال و"البسطيات"، فدبت النار فبه، تماما مثلما تقرب عود الثقاب من كومة قش، فأخذتهُ مخيلتهُ بعيدا الى حيث النار تلتهم أنفس ما انتجهُ العقل البشري، وتخيل اوراقاً تتطاير، وأوراقاً إبتلّت بماء الإطفاء، وأوراقاً غُمست بدماء الأبرياء، وأشلاء هنا وهناك، وسخاماً يلف الأعمدة وواجهات المحلات، ورائحة نار مشبعة بالتأريخ والمعرفة.... أوراق.... أوراق..... ونار، أيُّ معادلة قاتلة!
Al-Mutanabbi Street Starts Here
قام السيد "بوسوليل" بعدها بأيام بأطلاق "130" دعوة الى مجموعة من الكتاب والشعراء والفنانين، طالبا منهم مساعدته في اعلان التضامن مع الثقافة والقراء وبائعي الكتب العراقيين، وسمى حركته "من هنا يبدأ شارع المتنبي" وقد أدهشته ردة الفعل التي اتت بأكبر من ما توقعه، إذ لاقت الدعوة تجاوبا كبيرا، وتبنت العديد من الجامعات والمؤسسات الثقافية استضافة المعارض المقامة على شرف "شارع المتنبي"، حيث تضمنت اشعارا، وكولاجا مركبا مع الشعر وأعمالا توحي الى الحريق، وصورا فوتوغرافية ولوحات فنية للشارع، لابل ان هذه الحركة قد تمكنت منذ ذلك اليوم ولليوم أن تفرض نفسها كطرف أمين في الدفاع عن الثقافة، وجلب انتباه المواطن اينما كان عن الواقع والآلام التي تعيشها شعوب الشرق الأوسط.
لا يخفي "بوسوليل" مشاعره تجاه هذا الحدث إذ يقول:"إن الهجوم على باعة الكتب في بغداد هو هجوم علينا جميعا، وهذا الهجوم يعبّر عن تفاهة اولئك الذين يحاولون أن يدمروا الفكر. ويضيف قائلا: لو كنت عراقيا، فهذا الشارع سيكون شارعي، وفيه مكتبتي، وهو يمثل الرئة الثالثة لأهالي بغداد حيث يقصده الطلبة والمتعلمون، وهو يضم العراقيين من كل الألوان وفيه يشعرون بالأمان وهم محاطون بالكتب".
جدير بالذكر ان معارض كثيرة شهدتها العشرات من مدن وعواصم وجامعات العالم منذ عام ٢٠٠٧ وصولا الى العام ٢٠١٤، إذ تقام أغلب النشاطات حول يوم الأنفجار ـ ٥ آذار ـ من كل عام.
وقد أقام "منتدى الرافدين للثقافة والفنون في ولاية مشيكًان" أمسية ومعرضا يوم ٥ آذار ٢٠١٤ تضامنا مع الثقافة والأنسان العراقي، وتزامناً مع عشرات الفعاليات المشابهة في الولايات الأمريكية وأوربا والعالم. ويعود "المنتدى" هذا العام ليقيم نشاطا تضامنيا مع "المتنبي" في مدينة ديترويت يوم ١٣ آذار ٢٠١٥ كجزء من نشاطه السنوي لدعم الكتاب والكتّاب العراقيين، إذ سيتم عرض وبيع الكتب للعديد من الكتاب ومن بينهم للسيد نشأت المندوي، والراحل فاروق اوهان وأخرين، كما سيتخلل الحفل عرض أفلام عن شارع المتنبي.
أمأ للتواصل مع "بوسوليل" فيمكن عبر صفحته على الفيس بوك، إذ سيجد المتصفح الكثير من الصور والنشاطات والتعليقات:
https://www.facebook.com/beau.beausoleil?hc_location=friend_browser&fref=pymk
لاشك بأن الموقف التضامني النبيل لبائع الكتب "بوسوليل" قد جلب الانتباه لمحنة الثقافة والفكر في العراق، وحالة العنف التي تضربه، وهو يطرق بعمله هذا ناقوس الخطر معلنا عن حاجة الأنسان اينما كان للتضامن، حينما تهاجمه قوى التخلف والظلام والقتل. ويقع على عاتق النخب والمثقفين العراقيين، من صحفيين وكتاب وفنانين وأدباء وشعراء، ومن كل المعنيين بحاضر ومستقبل الأنسان العراقي، الى توحيد كلمتهم دفاعا عن الوجود.