ادب وفن

تنوع الأغراض في فيلم(زهور الحرب) / محمد علوان جبر

تكاد موضوعة الحرب، بسبب تكرارها في السينما العالمية وأغلب الفنون الإبداعية الأخرى، تعد موضوعة مستهلكة، رغم تفاوت طرق تناولها، فقد أبدع فيها كبار المخرجين بدءاً من السينما السوفياتية التي قدمت لنا الكثير من النماذج حيث تعرضت كثير من الأفلام الروسية إلى موضوعة الحرب، حتى أصبحت هذه الصفة لاصقة بها لفترة طويلة، وذلك لما عانته روسيا من أهوالها وفضائعها، وكانت أغلب افلام الحرب في فترة حكم ستالين تصور استبسال الجيش الروسي ضد النازيين، وتمجد البطولات الخارقة لرجاله وقدراتهم على النضال. وانتهت هذه المرحلة بانتهاء حكم ستالين، لكن ظهرت مرحلة جديدة تعرف «بذوبان الجليد» نسبة إلى قصة شهيرة للكاتب الروسي «ايليا اهرنبرغ» بنفس الاسم وترمز الى ذوبان جليد مرحلة ستالين. وفي مرحلة ذوبان الجليد ظهرت افلام جديدة عن الحرب، لا تهتم بتصوير المعارك وتمجيد قصص البطولة، وانما تهتم بالمشاكل الإنسانية والاجتماعية خلال فترة الحرب، وتصبح الحرب خلفية لمواضيع هذه الأفلام ويقفز التحليل النفسي والاجتماعي في المقدمة، فضلا عن السينما الأمريكية والفرنسية والايطالية، حيث تتحول الحرب إلى مجرد خلفية لموضوعات إنسانية كبيرة ، وبهذا تكون السينما قد عبرت محدودية محتوى الحرب رغم سعته، ففي الحرب تجري أكثر القصص غرابة وسعة وعمقا.. فهناك أفلام كبيرة تناولت الحرب كخلفية وطرحت مواضيع تناولت الإنسان عبر أقدس المشاعر، بدءا من الحب والشعر والفن، التضحية والايثار وتعدد الرموز والأغراض الإنسانية الأخرى وهذا ما فعله الفيلم الصيني ( زهور الحرب ) لمخرجه الصيني تشانغ بي الذي نافس على أكثر من 13 جائزة في مهرجان جوائز الأكاديمية الأميركية لولا انه واجه معاملة غير عادلة بسبب الضغوط اليابانية داخل أمريكا، وربما كما يقال في التقارير: ان السبب هو ان المجتمع الغربي لديه الكثير من الشكوك حول نتائج مذبحة (نانجيج) العاصمة السابقة للصين والذي تدور أحداث الفيلم حولها ، وكما ذكرت: ان عدد الضحايا مئات الآلاف من رجال ونساء وأطفال، ويتناول الانتهاكات التي تعرض لها الشعب الصيني ابان الحرب الصينية اليابانية عام 1937 .
يبدأ الفيلم حينما يصل حانوتي أمريكي مرسل ليدفن قس كاتدرائية عدت منطقة محظورة من الجميع، فلا يصلها الصينيون او اليابانيون .. الحرب تدور حول الكاتدرائية .. وهناك علامة تؤكد حيادية المكان، وسط الدخان وغبار الحرب الطاحنة التي تدور يصل الدفان يؤدي دوره الممثل ( كريستيان بيل ) يصطدم بالراهبات الصغيرات وحارسهم الصبي الصغير، يطالب بأجوره رغم انه وجد أن جثة القس قد تطايرت بفعل قنبلة، وحينما لا يجد ما يريد يبحث عن الشراب فيجد الكثير من قناني النبيذ، وفي أوج تصاعد المعارك حول الكاتدرائية تلجأ اثنتا عشرة من فتيات الهوى، هربن من الاعتداءات عليهن الى الكاتدرائية، فيحتمين بالكنيسة ، وبعد ان يصحو من سكرته، لا يجد أمامه ملابس غير ملابس القس فيرتديها، ويدافع عن الفتيات بصفته قسا أمام الجنود الذين حاولوا اغتصابهن، فينجح حتى دخول ضابط الوحدة الياباني. الذي يقدم اعتذاره، ويقدم مقترحاً بان تقام حفلة للبنات خارج الكاتدرائية.. ويؤكد انها حفلة موسيقية، يكتشف القس المزيف الأمر, فيمتنع ، يصرخ في وجه الضابط، باستحالة أن يرسل الفتيات الصغيرات من اجل إقامة حفلة السبي ، ولا يرد الضابط بشيء سوى أن عليه أن يهيئ ثلاث عشرة فتاة هن كل الطالبات صباحا، ستأتي سيارات الجيش لأخذهن، وتتاح له فرصة الخلاص حينما يلتقي بأحد معارفه الذي يدعوه لركوب مركب الخلاص ، لكنه بدأ يدرك انه بات مسؤولا عن خلاص فتيات الكنيسة الصغيرات وضرورة إنقاذهن من الاغتصاب الجماعي الذي تعد له القوات اليابانية ، حتى اللحظة التي تقدم فيه بنات الهوى حلا ، يراه معقولا أو وحيدا لإنقاذ فتيات الكنيسة الصغيرات، يقترحن بأن يذهبن مكان الراهبات .. من هنا يتصاعد الإيقاع الإنساني في الفيلم، عبر لقطات معبرة، فيستعين بأحد الجواسيس ليجلب له أدوات احتياطية لإصلاح عجلة قديمة موضوعة في فناء الكنيسة ، لغرض تنفيذ خطته لإنقاذ الفتيات.. حينما تأتي سيارات الجند اليابانية، تركب العاهرات مكان الطالبات اللواتي بقين مختفيات في قبو الكاتدرائية، بينما يقدمن العاهرات أنفسهن بدائل عن راهبات صغيرات .. وتعد هذه العلاقة الإنسانية الجميلة التي تنامت بين العاهرات والطالبات من أجمل ثيم الفيلم فضلا عن القدرة المذهلة للمخرج في تصوير المعارك بلقطات الكلوز السريعة المتنقلة بين حطام المدينة ، ينجح في إصلاح السيارة وتدويرها ليخفي في حوضها الطالبات تحت صناديق النبيذ التي يقدمها كرشوة أمام الحواجز اليابانية .. قلت ان الفيلم نافس على 13 جائزة ، وهو يستحق ذلك حقا، علما ان الميزانية التقديرية التي صرفت عليه فاقت 90 مليون دولار أمريكي ، وتاريخيا كانت المعركة التي دارت حول الكاتدرائية والتي سميت فيما بعد بمذبحة نانجينج نسبة إلى المدينة التي دارت فيها المعارك، يؤكد سيناريو الفيلم المأخوذ من قصة للصيني (خلينج يان) بعنوان ( 13 زهرة من اجل نانجينج) على ان الحقيقة أحيانا تكون آخر ما نود سماعه، وكذلك يؤكد بجمالية مذهلة ان الحياة هبة مقدسة ، يمكن أن نقدمها من اجل شيء مقدس.. ولا أكثر قداسة من الحب ...
فيلم زهور الحرب من الأفلام التي تستحق المشاهدة، لإيقاعه السريع والجميل الذي أبعدنا عن الملل، وبقينا مشدودين إليه طوال أكثر من ساعتين.
وتعد الصين ثالث اكبر صناعة سينما في العالم، وسجلت في السنوات الخمس الأخيرة نموا سريعا في إيرادات الأفلام، ووصل إنتاجها إلى ما يقارب 850 فيلما في العام ، وفي عام 2011 حققت الأفلام الصينية 54 بالمائة من إيرادات شباك التذاكر في امريكا الشمالية ، وتغلب على أفلامها ميزة وسحر الأساليب الإخراجية المبتكرة التي تقوم على واقعية مؤثرة مع سحر التكنولوجيا وعناصر الإبهار البصرية الأخرى.
ليس قدرنا