ادب وفن

القطار / عبدالكريم كاصد

في يومٍ قائظ، وفي قطار الشحن حُشر السجناء السياسيّون في عربةٍ مطليّةٍ بالقطران، ثم أُمر السائق أنْ يُبطئ. ولولا أنْ يسرع القطار ويهرع أهلُ السماوة إلى المحطة لمات الجميع. وقد سُمّي هذا القطار بـ "قطار الموت":

يدخلونَ المحطّةَ في الفجر
صفّين
بين التماع النجوم وأسلحةِ الحرسِ الواقفين
يصعدون الرصيفَ
بلا ضجّةٍ
ليس من طائرٍ في الرصيفْ
فافتحوا العرباتْ
لنْ تُفيقَ هنا زهرةٌ
أو يمرَّ حفيفْ
عندما تُشرعون البنادق
ولتُختمِ العرباتْ
واحذروا..
فالقطارُ المسافرُ لنْ يكتمَ الصرخاتْ
أيها الواقفون

*

ترتفعُ الشمس
يسيلُ القطرانُ على أجسادِ السجناء
يلهثُ مسجونٌ في الماء
يخلعُ بدلتَهُ العرقانةَ بين الحشدِ الواقفْ
يعصرُها في فمهِ الناشفْ
يتنفسُ من ثقبِ هواء
محمودٌ..
بضعةُ أفراحٍ في السجن،
وتابوتٌ،
وشراشفُ بيضاء
والطلقةُ في الصدرِ النازفْ
محمودٌ
أكلتهُ ذئابُ الصحراء

*

القطار
تُسرعُ العجلاتْ
القطار
تُبطئُ العجلاتْ
القطار،
القطار،
يصرخُ القادمون
تدفعُ الريحُ أطفالَهم خلفَهم
والنساءْ
تمسكُ العرباتْ
تتحسّسُ أقفالَها..
ثُمّ ترتدُّ مذعورةً للوراء
يهرع الحرسُ الخائفون
ويركضُ طفلٌ مع الناسِ يحملُ ماء
الهواءُ..
الهواءْ
يصرخُ السجناء
الهواءْ
يضربُ الأجنحهْ
فوق نخل السماوةِ.. فوق البيوتْ
الهواءُ يموتْ
فوق وجهِ سجينْ
الهواءْ
يشهدُ المذبحهْ

1973
من مجموعة "الشاهدة"