ادب وفن

ألق الحكاية... توثيق لملامح القصة القصيرة جدا / أحمد الباقري

حَقاً كان كتاب "ألق الحكاية" للكاتب عباس داخل حسن، كتاباً ممتعاً ورائداً في محاولته توثيق وتسجيل ملامح القصة القصيرة جداً.. هذا الجنس الأدبي الجديد الذي لاقى اعتراضاً سطحياً من لَدن كتاب القصة القصيرة ونقادها... وليس ذلك بغريب, فكل حركات التجديد في الشعر والقصة لاقت ما لاقت القصة القصيرة جداً من عَنَت ورفض من المتقوقعين في محارات القديم والذين يؤمنون بـ "ليس بالامكان أبدع مما كان"، أو "وجدنا آباءنا على ذلك ونحن على خُطاهم سائرون" دون أن يدركوا بأن التغيير هو روح الحياة ولا بُد أن يعصف بكل الأشياء فيحولها من شكل الى أخر... وليأخذوا الانسان كمثال بسيط: الا يؤثر عليه الزمن فيحوله من طفل الى صبي والى شاب والى كهل ثم يختم حياته بالشيخوخة.
تَمَتَعَ كتاب "آلق الحكاية" بفضائل عديدة, ولكن فضيلته الكبرى في اعتقادي, اتصافه بالحيادية والموضوعية. فقد كان مسحاً تاريخياً موضوعياً لنشأة هذا الفن الجديد, بالإضافة الى الانتباه بأن رائد هذا الجنس الأدبي الجديد كان جبران خليل جبران الذي أهَمَلهُ النقاد والباحثون وأثبتَ ريادته بالنصوص الممثلة لفن القصة القصيرة جداً التي وردت في هذا الكتاب.
كان بودي ايراد نصوص لرواد هذا الفن المستحدث مثل: ابراهيم احمد وخالد حبيب الراوي وعبد الرحمن مجيد الربيعي, ومن المُحدثين، ذلك القاص الرائع: فرج ياسين الذي أبدع في هذا الفن المُستحدث ونشر نماذج كثيرة منه، وأظن بأن الكاتب لم يحصل على نصوصهم لكونه يعيش في بلد بعيد "فنلندا"، بالإضافة الى عدم توافرها في المكتبات لِقدَم تواريخ صدورها.
لم ألمس من خلال عرضه لحيثيات كتابة القصة القصيرة جداً بأنه كان منحازا لها على الرغم من كتابته نصوصاً منها، ولكني أستشف منه من خلال هذا الكتاب بأنه يتأمل الانتشار والرواج لهذا الجنس الأدبي الجديد كما حصل لقصيدة النثر التي لاقت اعتراضات واحتجاجات لكن كتابها اثبتوا جدارتهم بكتابتها وبأنها جنس أدبي جديد لا بد أن تُمارَس كتابته.
كانت نماذج القصة القصيرة جداً جيدة ولكنها قليلة ولا تفي بالطموح وكانت أمثلة متنوعة لهذا الفن القصصي الجديد.
أقول بصراحة وبدون مجاملة, لقد بذلت جهداً شاقاً وملحوظاً في جمع المعلومات عن القصة القصيرة جداً على الرغم من ندرة المصادر عنها وسجلت شرف الريادة في هذا الميدان اللاهب. أتمنى لو حصلت على نصوص أخرى من القصة القصيرة جداً وأضافتها الى طبعة ثانية لهذا الكتاب المهم جداً.