ادب وفن

الفكر الذكوري في الفلم الأفغاني ( أُسامة )/ د. ناهدة محمد علي

بتأريخ 31/ 10 / 2015 تم عرض فلم أُسامة الأفغاني من قِبل التيار الديمقراطي العراقي في نيوزيلندا والذي دعا إليه منظمات المجتمع المدني العراقية الذين إطلعوا من خلاله على الأفكار المتخلفة لحركة طالبان وخاصة ما يتعلق بقضية المرأة وتحررها ومكانتها في المجتمع وإستلاب حقوقها في التعليم والعمل وإعتبارها عبداً تابعاً للرجل .
إن السينما كما قال المخرج الفرنسي كلود ليلوش هي ( أدب القرن الحادي والعشرين ) . وتلعب الصورة السينمائية دوراً مؤثراً جداً في ذهنية المشاهد وتطبع آثاراً لا تُمحى فيها ، وهي حتماً أكثر عمقاً من الكلمة والرقم ، ولطالما أثرت الصورة المعبرة في الضمير الإنساني وفي الرأي العام العالمي الحر ، فصور الظلم الُإجتماعي والمجاعات والعنف السياسي والإجتماعي وبشاعات الحروب تفجر بركاناً من الرفض الإنساني ، فما قرأناه عن الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب فيتنام وحرب الخليج والإحتلال الأمريكي للعراق شيء وما رأيناه مسجلاً عبر الصورة الوثائقية والتسجيلية والدرامية شيئاً آخر ، فكل رؤيا لإنفجار قنبلة هيروشيما في الصوت والصورة تشكل عبئاً ثقيلاً على الضمير الإنساني .
إن التكنيك السينمائي لفلم ( أُسامة ) كان تكنيكاً بسيطاً لكنه يتمتع بسيناريو محكم ومتصاعد إلى حين القمة الدرامية والتي بإعتقادي تتوزع ما بين دفن المرأة الشاهدة وهي حية وما بين إغتصاب الطفلة وتقديم القفل الحديدي لها لتصبح السجينة الجديدة . وقد لعبت الطفلة المسماة ( أُسامة ) دورها بإنسيابية طبيعية ، وبقيت هذه الطفلة متميزة بطفولتها ، وهنا تكمن القوة الدرامية حيث أثار هذا غضب المُشاهد من المجتمع الذكوري والبدائي المتخلف .
إن هذا الفلم الإجتماعي السياسي يختلف عن الأفلام السياسية الفرنسية والأمريكية ، فالكامرا هناك تقدم فناً راقياً يشد المشاهد بإستخدام إمكانيات الكامرا المتطورة كحركة ( الزوم ) السريع والبطيء للتأكيد على موقف ما أو الإنتقال إلى مواقع متعددة بصورة واحدة لفضح المتناقضات ، أو إستخدام مؤثرات صوتية تدعم المشاهد الدرامية ، وقد أُستخدم في هذا الفلم كدعم صوتي الأغنية الأفغانية الحزينة وكذلك أصوات الدجاج حين وُضعت مجموعة من النساء المتظاهرات في القفص وأصوات صرير أبواب السجون . ولا أعتقد أن تكلفة الإنتاج لهذا الفلم كانت كبيرة ، وقد إعتمد كما ذكرت على قوة القصة والسيناريو .
إن المجتمع الأفغاني برمته يعاني من الإنكسار الإجتماعي حيث لا كرامة للرجل أو للمرأة على السواء ، وأعتقد أن كل مجتمع تعاني فيه المرأة من الإنكسار والتهميش يعاني فيه الرجل أيضاً ويعاني فيه الأطفال من جزر كبير في منح الحقوق الإنسانية، وفي كل المجتمعات التي تعاني من الخراب الإقتصادي والسياسي والإجتماعي ينعكس هذا الخراب على النفس الإنسانية ، ويكون الرجل العربي على المحك أولاً ، فهو من يصطدم بالسلطة وبألضيق الإقتصادي والتفسخ الإجتماعي ، وينعكس هذا بدوره في داخل عائلته ، فتمتص النساء والأطفال كل هذا الخراب وهم الأضعف حيلة من بين شرائح المجتمع .
لقد نقل السلفيون الهوس البدوي الصحراوي ولبسوا العمامة والسيف تقليداً لحضارة بداية الفتوحات الإسلامية ، وقد إعتنوا عناية فائقة بالمظهر الخارجي لهذه الحضارة ولم يهتموا بفحواها . وقد هدم السلفيون الأفغان البنية التحتية للمجتمع الأفغاني ، فلا صناعة ولا زراعة وقد حاربوا التكنولوجيا الحديثة بكل قوتهم وظهر هذا واضحاً في الفلم ، فالجوع والبطالة كانا ظاهرين في كل شارع وبيت ، وقد تبع هدم البنية التحتية هدم كامل للبنية الفوقية ، فلا تربية ولا تعليم ولا طب يُعين المرضى المتراكمين في المستشفيات البدائية ، أما العلاقات الإجتماعية فمبنية على السيادة الإقطاعية الذكورية والدكتاتورية الفجة من قِبل الولاة والملالي .
لقد عاد المجتمع الأفغاني هنا إلى مرحلة الإلتقاط والصيد ، وأُستُخدم الدين هنا لوضع الهيبة وعدم المساءلة للوالي .
ليست مشكلة المجتمع العربي والإسلامي هي إستعباد الرجل للمرأة وإستعباد الرجل من قِبل السلطة ، بل هي الهيكلة الإجتماعية والإقتصادية المستهلكة والتي تنشر أول ما تنشر البطالة والفقر ، وترتفع بطالة النساء في هذه المجتمعات أكثر من الرجال بالإضافة إلى الأمية الأبجدية والثقافية ، وتلعب الأعراف البدوية دوراً هاماً لتهديم العلاقات الإجتماعية . وفي حديث موجه من قِبل الكاتب السلفي ( عبد المنعم المنسي ) إلى بطل الكيبورد المصري ( وائل غنيم ) الذي لعب دوراً في تحفيز الجماهير المصرية في ثورة الربيع العربي في مصر ، ذكر الكاتب السلفي ( بأن المرأة كائن مُحدد بالإقامة المنزلية وتبقى شريفة طالما بقيت فيه ، وإذا ما خرجت رافقها الشيطان أينما ذهبت ، وينبغي للمحرَم أن يرافقها ولا يصح خروجها إلا للضرورة ) وقد أكد هذا الكاتب على عزلها عن المجتمع وتحريم العمل عليها .
إن العرف البدوي والبدائي كان له أشباه في كثير من الحضارات القديمة والفرق هنا أنهم قد تعدوها لكننا لا زلنا نتمسك بها ، وكل الحضارات تقريباً تتطور بشكل عمودي إلا الحضارة العربية والإسلامية فهي تتطور بشكل دائري ، فتبدأ ثم ترتقي ثم تعود من حيث بدأت .
أقدِم هنا نماذج شبيهة لوضع المرأة العربية والمسلمة في الحضارات القديمة ، فقد كان وضع المرأة في الصين القديمة كما بينتها رسالة لإحدى سيدات الطبقة الراقية تكشف عن أحوال المرأة وتقول ( نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري ، ويكون نصيبنا أحقر الأعمال ، وأن الذكور يقفون على الأبواب كأنهم آلهة قد سقطوا من السماء ، أما البنات فإن أحداً لا يُسَر بميلادهن ، وإذا كبرن إختبأنا في حجراتهن ، ولا يبكيهن أحداً إذا إختفين من منزلهن ، وقد سُميت المرأة في الصين القديمة بـ ( المومياء المؤلمة ) ، أما في الهند القديمة فقد ذُكر في أساطير ( مانو ) بأنها مشغولة ( بحب الز ينة والشهوات المدنسة ) ومجردة من الشرف ، والنساء هن كألباطل نفسه ، وبتشريع مانو إن الزوجة يجب أن تخدم زوجها كما لو كان إلاهاً ، وهي تخاطب زوجها بكلمة يا مولاي أو يا إلاهي ، وتمشي خلفه بمسافة ولا تأكل معه بل مما تبقى من طعامه .
وفي حضارة الهندوس وبعض الحضارات الأخرى في الهند القديمة تُحرق كل زوجة يموت زوجها على مقربة منه والتي لا ترضى يذلها الشعب إذلالاً يجعل الموت أهون عليها .
أما الحضارة الإغريقية فقد قال سقراط الحكيم ( إن وجود المرأة هو أكبر منشأ للأزمة في العالم ، وهي تشبه شجرة مسمومة ظاهرها جميل ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً ) .
أما الحضارة اليونانية القديمة فقد كانت المرأة تُباع من قِبل الزوج متى شاء ، لذا فهم يقدمون لأصنامهم إمرأة قرباناً كلما أصابتهم مصيبة ، ولم تسلم منهم حتى إبنة إمبراطورهم ( أجاممنون ) .
أما لدى الرومان القدماء فهي أداة للإغواء ويُسخرها الشيطان لأغراضه ، ولذا فهي محتقرة لديهم ، ويُفرض عليها أن لا تأكل اللحم وأن لا تضحك وأن لا تتكلم ، وكانوا يضعون قفلاً على فمها يسمى ( موزليز ) ، وكان تعدد الزوجات شائعاً وبدون تحديد ، ويعطي الرومان السلطة للزوج في قتل زوجته .
ولم يكن وضع المرأة في الحضارة الفارسية القديمة بأفضل من هذا ، إذ كانت تعتبر جزءاً من أملاك الزوج ، وكانت الديانة الزيرادشتية تعتقد أن المرأة سبب الشرور ويحق للزوج أن يقتلها متى ما شاء ، وكان تعدد الزوجات أمراً شائعاً أيضاً .
إن الفكر السلفي العربي والإسلامي قد أكد على العُرف الجاهلي وحكم على المرأة أن تستتر في بيتها ، وأن لا يكون لها رأي ولا مشورة ولا يمكنها السفر أو قيادة السيارة أو توريث جنسيتها لأبنائها وحدد عملها الأساسي لخدمة الزوج والأبناء .
لقد جاء في تقرير قدمته مؤسسة ( تومسون رويترز ) لإستطلاعات الرأي حول أوضاع المرأة في 22 من الدول العربية ، وقد شارك في هذا التقرير الكثير من الخبراء والناشطين والناشطات وكانت الدول الأسوأ هي مصر ويليها العراق في سوء أوضاع المرأة وإستلابها ، ومن الغريب في الأمر أن هاتين الدولتين العريقتين في الحضارة وفي مجال النضال السياسي والديمقراطي قد قدمتا للمرأة التهميش والإستلاب الإنساني ، بينما كانت الدولة الأولى في الإهتمام في أوضاع المرأة هي جزر القمر ثم سلطنة عُمان ، وقد حدد التقرير أن 99،3٪-;- من نساء مصر يتعرضن للتحرش ولا فرق هنا بين إمرأة وأخرى ، مثقفة أو غير ، جميلة أو غير ، صغيرة أو غير ، وأن 91٪-;- منهن يتعرضن للختان .
أما في العراق فمن الواضح أن التناحر الطائفي والسياسي قد أزال كل القيم النبيلة التي كانت تحمي المرأة ، وأصبحت المرأة كما يصفها السلفيون هي الفاصل ما بين الجنة والنار والنور والظلام ، ونسي هؤلاء جرائم الميليشيات والعصابات المنظمة والإرهاب السياسي ، وركزوا أحقادهم على النساء ، علماً بأن 17٪-;- من القوى العاملة العراقية هم من النساء ، وبالمقابل تعاني المرأة العراقية من زواج القاصرات والولادات المبكرة ، ففي كل ( 1000 ) حالة ولادة هناك 68 من القاصرات ، ولا تستطيع المرأة العراقية الحصول على جواز سفر بدون إذن من ولي أمرها ، وتنتشر الكثير من جرائم الشرف في العراق وغيره من الدول العربية والإسلامية ، وعلى هذه الجرائم هناك عقوبات مخففة أو إعفاء كامل وبدون ضوابط ، وقد حدثت الكثير من حوادث الإعدام العلني للنساء في أفغانستان والسعودية ، وفي المغرب مثلاً 78٪-;- من مرتكبي الجرائم ضد النساء هم من الأزواج ، وينتشر في فلسطين زواج القاصرات ، أما في الأردن فيحق للزوج الزواج بإمرأة أُخرى إذا لم تنجب له الزوجة ذكراً ، ولا تعترف اليمن بسن محددة للزواج .
كل هذا يعطي لنا صورة قاتمة لأوضاع المرأة العربية والمسلمة ، ولو تساءلنا أين يكمن السبب ، هل هو في فئة الحكام التي تقود مجتمعاتها إلى الوراء ، أم في الشعوب التي تعبت من النضال ورضخت للأمر الواقع وخاصة فئة النساء . وإذا علمنا أن المرأة العربية تصرف المليارات من الدولارات على أدوات الزينة وخاصة في دول الخليج العربي حسب إحصائية مجلة الأسرة الخليجية ، وإحصائية أخرى تقول بأن نسبة السمنة بين النساء في السعودية تبلغ 55٪-;- وترتفع أيضاً نسبة المدمنات على التدخين ونسبة المطلقات ، وهذا يؤكد على أن شرائح من النساء العربيات قد بدأت في البحث عن البدائل السلبية لتحررها الحقيقي من عبودية المجتمع الذكوري ، ولا أرى أن منظمات النساء في المجتمع العربي والإسلامي قادرة على التحرك أكثر من المدى الذي يُسمح لها به ، وأن منطق القوة والعنف الأُسري والمجتمعي هو دائماً الأكثر فاعلية في هذه المجتمعات .