ادب وفن

"بدون ألمانيا".. خمسة مشاهد مسرحية / ثامر الزيدي

كتاب ماجد الخطيب الجديد، الذي جمع فيه خمسة مشاهد مسرحية بعنوان:"بدون ألمانيا"، يستحق التجسيد على خشبة المسرح العربي، فهي مسرحيات غربة اللاجئين خاصة في بلدان أوروبا، كما يعبر العنوان، متناولة حالات إنسانية مؤلمة قدمت بأسلوب تراجيدي كوميدي.
ففي الوقت الذي تثير شخصيات المشاهد المسرحية الضحك، فإنها تخفي خلفها الآلام والمعايشات المأساوية التي تعبر عن الحالة النفسية للمهاجر. كلهم شخصيات بسيطة ساذجة ومحبوبة، ولكن قدر الغربة ابتلاهم بمشكلات فوق طاقتهم، وسحقهم المنفى بين رحاه. وخلف كل فرحة أو ابتسامة يطلقونها، أو ينتزعونها من القارئ، تختفي فاجعة، فنرى الشخوص تحاول الفرح رغم علمها بكارثة وجودها في مجتمع غريب، ورغم مشكلات اللغة والثقافة، وانقطاع سبل استيعاب المنفى، وصعوبة معايشته التي تتعدى حدود طاقاتهم الذهنية وقدراتهم الشخصية، كونهم ينحدرون من عوائل مسحوقة تجري تعريتهم في أحداث تشخيصية نفعية لدرء الخطر المتربص حتى في أصولهم العرقية التي عاشوا وتربوا فيها.
هذا ظاهر في مسرحية "المكالمة" حيث يتنكر الجميع للشاب الذي يحاول عبثًا الاتصال بعائلته من أوروبا، فيصبح بلا جذور، وتنقطع مع المكالمة آخر الخيوط التي تشده إلى عالمه، وتلك هي العلة، بينما صاحبة الكلب تعيش بأمان ولا تزيد قيمة الشاب في نظرها عن قيمة كلبها.
والأمر لا يختلف عنه في مسرحية "القبول" حين يجتمع الأحياء في "قبور" يتقبلونها دورًا للسكن فيها، لا لسبب إلا لكونهم بلا وطن وبلا هوية، ولا شيء في حياتهم أهم من رسالة "ورقة" تحقق لهم حق العيش كما هو مكفول في وثيقة حقوق الإنسان العالمية. عالمان مختلفان تجمعهما حالة فقدان الهوية، وتفرقهما اللغة والثقافة عن بعضهما وعن المحيط بهما.
أما في مسرحية "التباس" فنرى الشخصيات في حالة اضطراب نفسي، قد يشخصها البعض على أنها "صدمة ثقافية"، تلازم كل مهاجر مهما اختلفت جنسيته وثقافته، ومهما حقق من النجاحات؛ إذ يستعيد الشخص دائمًا ذاكرته وما عاناه فيما يسمى بـ "الوطن المستلب" دومًا مثل رؤية صادمة، وتلازمه الحالة مهما سارت قافلة السنين في صحراء المنفى.
ولا تخرج الشخصيتان والأحداث في مسرحية "بيت النساء" المضطهدات، عن إطار الكوميديا السوداء التي يقدمها لنا الكاتب في "بدون ألمانيا"؛ إذ تعرض لنا المسرحية حالة إنسانية تكاد تكون سوية لو أن شخصيتيها النسوية عاشتا في وسط مجتمعيهما الأصليين حيث تربتا وتوثقت علاقاتهما الاجتماعية في الزواج والجنس المتعارف عليها في وطنيهما، ولكننا نراهما في مشاهد مسرحية ترتفعان إلى قمة المعاناة، خصوصًا في مشهد السكر وغياب حالة الوعي لتعودا إلى واقعهما المر، حينما يتبين لهما الخداع في حقهما حتى في علاقات الحب الإنسانية، فيستسلمان لواقعهما البائس والمرير.
أما مسرحية "شجرة عيد الميلاد" فهي ترينا المسخ الإنساني في طبيب كان يفترض أن يكون شخصية سوية محترمة اجتماعيًا في وطنه، ولكنه تحول إلى مسحوق جبان مسلوب الإرادة يعطف عليه إنسان بسيط من أبناء جلدته، لا لشيء إلا لكونهما من دون وطن وبلا هوية. وتكشف لنا المسرحية، من الناحية الثانية، كل ما تنطوي عليه شخصية الأجنبي الخشنة، التي تختفي وراء شاربين كثيفين، من إنسانية وتضامن يبلغ حد السذاجة مع بقية الأجانب.
يبدو أن الخطيب عايش شخصيًا هذه اللقطات الحقيقية من حياة "البدون"، أو أنه ربما سمعها من أشخاص أهدى لهم المشاهد في كتابه، لكن ما قدمه لنا قد يصادف أي إنسان في المنفى، بغض النظر عن هويته أو موقعه الاجتماعي.
وقد أحسن المؤلف حينما أعاد كتابة الحوار في المسرحيات باللغة العربية، بدلاً من الحوار بالألمانية، ووضعها في خاتمة الكتاب، لأنه أتاح الفرصة بذلك إلى المسرحيين العرب في بلدانهم، وفي منافيهم أيضًا، لفهم هذه المسرحيات وتقديمها على المسرح.