ادب وفن

سراج الحكايا، محمد خضير / مقداد مسعود

يا حكيم بصرياثا من زيت كدحك السردي يستضيء هذا السراج.. اذا كانت الكتابة الابداعية إسهاما جماليا في حل شفرات الوجود فأن المبدع من صنّاع المفاتيح ويشهد جهدك السردي انك صائغ أمهر تنتسب لأولئك الذين تصدوا لأمراض القصة القصيرة العراقية و"البطات الثلاث"، كانت البداية ومن أجنحتها أثلت حجر الزاوية.. ثم... تاجا لطيبوثة.. في تأملك تلك الاصبع الحجرية الشامخة اختزلت المسافة بين مئذنة ولقلق وتركت شخوصك من دون اسماء فعاشت مريم عبد الهادي وترا في اسمها لتسرد وبتوقيت مملكة سوداء حسراتها.. أحيانا تتخلى عن القلم والورق، تهبط نهرا لتصغي لما يسرده وبرُ اخضر على صخور الشاطئ أو تتماهى في جسد غواص لتشاغل سمكة مدلهة في ماء نائم.. وتنتشل تلك الفتاة الى هواء غير مستعمل..
*
حتى بعد غيابه أراكما معا هو يتأمل سطوح المظلات وانت تحمي النول والنسيج..
*
هل مازلت يا حكيم بصرياثا تتساءل مَن هذا المتدلي في فراغ هائل؟ وتلك مَن؟ تلك التي تشق طريقها بين أنفاس الساكنين الأسلاف؟ وما الذي تخلّف في ثقوب الجدران وممراتها.. في شقوق النوافذ والأعمدة في العلب والقوارير وقطن الافرشة؟ ومَن أختلط مع صدأ المرازيب والمسامير والخوازيق؟ ظل مَن حول المصابيح المختنقة بدخان السجاير والمواقد ؟ ومن هذه التي تعوي في جوشن الليل كأني أمشّط ُ شعري بأمشاط من حديد منصهر؟ ما أسم هذا الولد..؟ يكوّر خرزات من ظل ودم ودمع وضوء ثم ينظمها في خيط نحيل ليصون حياته ُ؟
*
الظلام يمنح الذاكرة غبارا ضوئيا وشاشة سينما فما أن تتلمس حقيبة حتى تراها متدلية من سكاّن دراجة هوائية ومن اطارها الامامي ينبجس شارع محفوف بعماتنا الخضراوات.. وفي منعطف ترابي ارى طفل مقبرة بلا عجلات.. الظلام وأقف، وأحيانا يجلس حارساً هيبته بمصادرة اللسان من جسارته لا يسمح العرف المدرسي بذكرها.. الصحراء ظلام النهار والمأوى عزف منفرد على الظلام.. والملح في تلك المملحة: ظلام أسود.. المرض كالفوضى وكلاهما: ظلام.. لكنك نفذت بضوئك الى السمات الخفية للمدن: التابوت: مدينة الحرب قالتها عنوانات على ذلك الوعاء الخشبي.. في أحدى قصصك.. المتاهة ظلام والظلام متاهة يحيطها سور الكتروني وكاميرات مراقبة.... حين تقابلت في 1974 في ذلك الزقاق الهادئ أبواب بيوتنا في مناوي باشا رأيتك في ظهيرة شتوية، تلتقط مسمارا وتكتب منزلا وتخط خطا أفقيا في منتصف صفحة لامرئية لسواك ويتدفق الخط الافقي في الفضاء النسوي.. ثم صار الخط مرئيا من ص117 حتى ص146وبتوقيت 45 مئوي، وتدلت من مسامير مثبتّة في صفوف الآجر المتآكل عباءات النسوة، ويتدلى سمك مجفف وقلائد بامياء وفصوص ثوم تدلت بحزمها البيض.. ها أنا في منزل مجبول من أوراق العنب.. والشذري يسرد في سواعدهن وفي جمّار أعناقهن.. سلمٌ اخضر منجّم يتوسط احناكهن .. يعزفن حفيفهن نكاية بحرارة تنانير الطين ولسعات برد الفجر.. ما يتضوع منهن يتلاشى كمشاهد من نافذة قطار سريع..
*
للحياة غزارتها وهي غضة كأغمدة الطلع المبرّدة في الظل.. والحياة طرية كسلال الخوص والحياة صخابة كأبواق الأعراس والختان وصواني حناء وشموع وآس الشهداء.. والحياة هي الحياة كما تقدمها الحياة بشهادة الدرويش محمود..
*
هل لاتزال ترفض دخولك الثاني.. حتى لا تفقد اللحظة طراوتها الاولى في ذاكرتك.. وهكذا تبقى الزبير عين الجمل والفاو تصهل بساعاتها وبغداد لطخات ملونة من فرشاة محمود أفندي.. هل الظلام غرفة للجلوس وغرفة للكتابة غرفة للسفينة التي نقلت الأسرى من البصرة الى بومبي.. غرفة حادة كصفيح مضلع ساخن تشوى عليه أجسادنا العارية من البيريات والبساطيل من كل هذه الغرف لماذا لنا غرفة بجدران سود ومصباح أحمر.. طال مكوثنا في حجرة لا فاصلة بين أفرشتنا اللحود.. حجرة حمضت حياتنا، لا ورق الفوتو غراف.. خارج الغرفة ظلام في هيأة رجل أحدب، بين كتفيه رأس فأر، يحمل فأسا يستهدف ما تبقى من الفوانيس.