ادب وفن

شاعر ٌ.. مهنته ُ العشق/ مقداد مسعود

إنشغل بالأنوثة، فحامت الفراشات حوله.. وهمت به مثلما هم بها ولم يستغفر ولم يستغفرن ..ترف العيش أنبجس ترفاً في القصيدة ..ليس له تشنجات حلم المتنبي، ولم يلجم محبسيه في لزوم ما لا يلزم.. هو مصباح القصيدة وهن فراشاتها وحده ُلا يسمع سوى نداء قلبه الأهوج ..هذا المخزومي القرشيّ ..المولود ليلة وفاة عمر بن الخطاب ، فلم يأخذ منه ُ سوى الاسم، فتح عينيه ثريا ثراءً لامثيل له، فهو ابن والي اليمن عبدالله بن أبي ربيعة، أستمر والده واليا منذ عينّه الرسول(ص) حتى نهاية خلافة عثمان ، وعاش الشاعر محتفيا بتأنيث العالم وأضرام عشقه ،دون رادع القبيلة أو الخلافة الأموية حتى مات غريقا وهو في طريقه البحري الى منفاه في (دهلك ) بأمرٍ من الراشدي الخامس الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز..
(*)
أجتمعت فيه خصال منها : الثراء الوراثي وجمال الوجه وشبقه للأنوثة.. الذي كان مصطلاه المجازي ،ذلك المجاز الذي أوصله الى بشاعة الحقيقي وهو في السفينة وقد أحترقت فلا ندري هل مات محترقا أم غريقا؟ إنه الشاعر عمر بن عبدالله بن أبي ربيعة (23- 93 هج/644- 713م) ..
(*)
كانت مواسم الحج والعمرة قوته الشعرية في التغزل
(جَرَى ناصح ٌ بالود بيني وبينها
فقربني يوم الحساب ِ الى قتلي
فطارت بِحَدّ مِن فؤادي، وقارنت
قريبتها حَبَل َ الصفاءِ الى حبلي/ ص225)
)نزلتْ بمكة َمن قبائل نوفل ٍ
ونزلت ُ خلف َ البئر أبعدَ مَنزل ِ
حَذَراً عليها من مقالة ِ كاشح ٍ
ذرب ِ اللسان ِ، يقول مالم نفعل ِ/261)
(ذَهَبت َ وَلم تلمِم بديباجة ِ الحَرَم
وقد كنت َ مِنها في عناءٍ وفي سقم
جُننتُ بها لمّا سمِعت َ بذكرها
وقد كنتَ مجنوناً بجاراتها القُد ُم ُ/ 273)
وأنا أقرأ قصائده أشعرها طرية وجديدة كأنها كُتبت للتو، وتحديدا القصائد المكتوبة من مجزوء الرجز، أو المقطعات أو البيت الواحد
كقوله (فلم تَرَ عيني مِثل َ سِرب ِ رأيتُه ُ
خَرَجن َ عَلينا مِن زُقاق ِ ابن واقف)
أرى هذا البيت الشعري المكتفي بذاته شعريا، يدفع مخيلتي كقارىء الى استكمال هذه الصورة الشعرية الفواحة بالأنوثة وأزيائها وأصواتها وتمايل غصونها وما تصدح بي الحلي من الحان وما يتأرج من المسك والرند والخلوق ..ومثل ذلك قوله في البيتين التاليين :
(قلت ُ إذ أقبلّت وزهرٌ تهادى
كنعاج الملا تعسّفن رملا
قد تنقّبن َ بالحرير وأبد ين
عيونا حور المدامعِ نجلا/261)
*نعاج الملا: المها
(*)
إبن ربيعة منشغل ٌ بتأنيث العالم، رأى في مواسم الحج والعمرة لحظة قنص الأنثى في لحظة عربية أسلامية، منشغلة ببلاغة الدم المسفوك ظلماً.. وحين يقتل مصعب بن الزبير،(عمرة) زوجة المختار بين أبي عبيد الثقفي ،يعترض بن أبي ربيعة ضمن سياقه الانثوي وليس انحيازا سياسيا :
(إن مِن أعظمِ الكبائر ِ عندي
قَتل َ بيضاء َ حُرّة ٍ عطبول ِ
قُتِلتْ باطِلاً على غير ِ ذنب ٍ
إن لله ِ دَرَّها مِن قتيل ِ
كُتِب َ القتل ُ والقتِال علينا
وعلى الغانيات جَرُ الذيول / ص260)
*عطبول : فتاة جميلة ممتلئة .
(*)
نلاحظ ان القتال لديه ذكوري الهوية، وان المرأة مكرسة لوظيفة الفراش فقط ،والحرة فقط قتلها من الكبائر ، أما ماعداها فلا إعتراض على قتلها !! وهوفي قوله هذا طبعة مهذبة من قول (البسّامي) شاعر يفتقد التهذيب
(ت 302 هجري) :
(ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة
هذا لنا ولهن منا ان يبتن َعلى جنابة/ ص122) /يوسف بكار / عصر ابي فراس الحمداني / مؤسسة البابطين / 200
(*)
قد يعترض أحدٌ علينا ويتهمنا بتحميل الشاعر وزرا من أوزار عصرنا ، في هذه الحالة نقول له كتب التاريخ تشهد على دور المرأة العربية والأسلامية في كل انواع المحن..
أقتطفت هذه الأبيات ،التي تشهد للشاعر بحضوره في تلقينا، بسبب بساطة هذه الأبيات ولايصدها اي عائق أثناء التراسل النصي :
(ألا إنيّ عشيّة َ دار زيد على عجل ٍ أردت ُ بأن أقولا :
أنيلي قبل وشك ِ البين إنّي أرى مكثي بأرضِكم ُ قليلا
فهزّت رأسها عجباً وقالت عذرتُك َ لو ترى منهم غُفولا
ولكن ليس يُعرف ُ لي خرج ٌ ولا تسطيع في سرد دُخولا
هَلُمّ ، فأعطني وأسترض ِ مني مواثيقاً ، على أن لاتحولا
وأن نرعى الأمانة َ، ما نأينا ونُعمِل َ في تحاورنا الرسولا
فقلت ُ لها : وددت ُ وليت َ أني وجدت ُ الى لقائكم سبيلا/ 236)
*أستفدنا من ديوان الشاعر وكذلك من مصادر تناول سيرته ..