ادب وفن

الاحتفاء بكامل شياع* / سهيل نجم

بودي أن نحتفي بكامل شياع لا أن نرثيه فمثل هذا الإنسان يحتاج منا إلى ما هو أكثر من رثاء لأن قيمته بالنسبة لنا تمثل تجربة رمزية خالدة من المفترض أن تدفعنا إلى خطوات أبعد من الرثاء والحزن. فمن الواضح أن قصة اغتياله هي محاولة فاسدة لعرقلة مسيرة الحرية والتقدم في العراق بعد أن رأى القتلة أن ضياء هذه الشخصية يمثل محوراً يجذب العقول المستنيرة ويتفاعل معها لخلق آفاقٍ لا مجال فيها للفاسدين والدوغمائيين وذوي العقول الاتباعية الذين لا يعرفون الفكر الحر.
باعتقادي أن ميزة كامل شياع الأولى هي أنه قدم الناس والعراق على نفسه. كان يمكنه أن يبعد نفسه عن اللغط ويمتهن أشياء كثيرة فهو رجل متعدد المواهب، كان يمكنه أن يكون مترجماً جيداً بما لمسته منه من تمكن واضح بالانكليزية والعربية وكان يمكنه أن يكون باحثاً مميزاً كما دلت على ذلك دراسته المتقدمة للماجستير في الجامعة البلجيكية في الفكر الفلسفي، لاحظوا اختياره لموضوع بحثه، وكان يمكنه أن يكون أكاديمياً وكان وكان... ومن هنا أقول نحتاج إلى نبذل قصارى جهدنا لنكمل مسيرة هذا المثقف الخاص. لقد كرس كامل جل وقته في سبيل تأسيس?بنية تحتية راسخة للثقافة العراقية وهذا ما لم يعجب سادة التخلف وعبيد الحالة السكونية لا بل عبيد العودة إلى الوراء بأقصى قوة.
الميزة الثانية لكامل أنه تخطى مرحلة الجمود الفكري وعبر إلى الرحابة الفكرية العقلانية المعاصرة التي تنظر إلى نفسها أنها مهما تسلحت من فكر وعلم فهي تحترم فكر الآخر ولا تدعي انفرادها بالعلم بالحقيقة التي هي في الأحوال كلها ليست مطلقة. لهذا تراه يستمع أكثر مما يتكلم وهو في الاستماع يصغي جيداً لمحاوره ولا يدعي الاستماع مثل كثيرين مقفلين على أيديولوجيا متخشبة فكان له أصدقاء من التيارات الفكرية كافة لاسيما تلك التيارات التي تؤمن بالحوار.
لكن كامل شياع لديه يقين واحد لا يتراجع عنه مهما كلفه الأمر وهو الإيمان الذي لا محيد عنه بالمستقبل مهما تكاثرت العقبات والعثرات، لقد رأى أن مادامت هنالك "فرصة" للعمل من أجل بناء مستقبل نبيل ومشرق لبلاده فعليه واجب الاستمرار وخوض
التجربة إلى منتهاها على الرغم من المحاذير التي قد تؤدي به إلى أن يفقد حياته ثمناً لتلك التجربة، وهذا ما حدث بالفعل.
من أجل ذلك كله أقول: أن من حق كامل شياع علينا أن لا نكتفي برثائه واستذكاره بل أن نعمل أيضاً على وفق جديته المثابرة بإكمال مسيرته التي بدأها في التصدي الفعلي لمن يخربون الثقافة ويزيفون الحرية أو يعملون على خنقها بشتى السبل والعمل الحقيقي لإنشاء بنية تحتية علمية راسخة للثقافة العراقية. لقد كان الفكر النقدي العلمي الجاد هو ما عمل كامل شياع وأمثاله على تأسيسه نظرياً وعملياً لتحويل الثقافة إلى بنية فعالة في تخليص الأجيال العراقية القادمة على الأخص من العقلية الميتافيزيقية المبنية على الوهم في التفكير والسلوك.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* القيت في جلسة استذكار الشهيد يوم 23 آب في بغداد