ادب وفن

رحيل «الزمن الخصب» / علي الحسيني

ربما سيخفف عنا رحيل يوسف العاني لو كان زمنه الخصب - وهو زمن العراق الحديث - ما زال مستمرا، لكن والحال ان العراق فقد بوصلته مع منجزه المدهش في حقول ومجالات شتى، من بينها المسرح، حينها يغدو نعي رائد ومؤسس وقامة مسرحية مثل العاني، ومع غياب جيل المؤسسين للمسرح العراقي، يغدو نعيا لفترة عراقية استثنائية، غنية بالادب والفن والمعرفة والصحافة.
فقدنا برحيله اخر مجسات تلك الفترة الذهبية، وخسرنا شاهدا حيا على تناقض مخيف بين زمنه الذي هو زمن المؤسسين وزمننا الحالي المتخلف، الذي اوجد معه قطيعة عميقة واقصاء متعمدا وتجاهلا قاسيا.
ليس العاني، ممثلا او مسرحيا او كاتبا عاديا، كان ايقونة في ادائه المسرحي والسينمائي وفي كتابته عشرات المسرحيات منذ ان كان طالبا جامعيا.
تدهشك وفرته وحضوره غير الممل، وهو شاب وشيخ. حفر اسمه داخل اعماق محبيه ومتابعيه، عبر اعماله المسرحية والسينمائية، بقدرته الفذة والنادرة على توظيف مفردات الحياة العراقية وشخصياتها الشعبية المسحوقة، في مشاهد نقدية ساخرة، ما زالت طرية في الذاكرة العراقية.
تبنيه للمنهج الواقعي وايمانه به مبكرا، كان وراء ظهور أحد أهم الأعمال الواقعية في السينما العراقية وهو فيلم "سعيد أفندي" الذي أخرجه كاميران حسني عام 1957.
وهو العام ذاته الذي مثل واخرج فيه مسرحية جحا والحمامة 1957، وهي من نوع المسرح الصامت، وقدمت على مسرح ستانسلافسكي بموسكو ضمن مهرجان الشبيبة في الاتحاد السوفيتي السابق، وحصد من خلالها على درع المسرح الشهير.
وقبل ذلك، كتب العاني مسرحية "مجنون يتحدى القدر" في 1951 واعتبرت هذه المسرحية أول موندراما في العراق.
ارسى العاني من خلال تأسيسه فرقة المسرح الفني الحديث، احدى ابرز الفرق المسرحية في العراق، بالاشتراك مع الفنان الراحل إبراهيم جلال عام 1952، تقاليد وقواعد واعرافا في المسرح والسينما. وبرحيله المفجع، خلف لنا تراثا بصريا غنيا، ومؤلفات مهمة في المسرح والسينما، تنتظر اشباعها بحثا ونقدا، عبر ورش مسرحية وسينمائية جادة، بامكانها المساهمة في اعادة الحياة الى المسرح العراقي الذي يعيش اسوأ ايامه.