ادب وفن

الذكرى 150 لميلاد "الزهاوي" / طه رشيد

ولد جميل صدقي الزهاوي في عام 1863 ورحل بعد ثلاثة وسبعين عاما. تقلد خلال حياته المفعمة بالشعر والفلسفة والتحدي، مناصب مختلفة بين بغداد واسطنبول ، فكان مدرسا، ومديرا لمطبعة، وقاضيا، ومحررا في جريدة الزوراء. وحين استقر في بغداد بعد عودته من اسطنبول اصبح استاذا في مدرسة الحقوق . وعندما تأسست الدولة العراقية عين عضوا في مجلس الاعيان .
اتخذ الزهاوي في ايامه الاخيرة مجلسا له في مقهى امين، الواقعة في مدخل شارع الرشيد والتي حملت بعد ذلك اسمه وحتى يومنا هذا، وكان الرصافي احد روادها ، مع مجموعة من ادباء آخرين ، وكان يتردد على المقهى لاجل لقاء الزهاوي . وفي سنوات الستين والسبعين اصبحت المقهى ملتقى لاجيال جديدة من الادباء والشعراء .
رغم تبحّر الزهاوي بالعلوم الاسلامية وتدريسه الفلسفة الاسلامية في دار الفنون في اسطنبول مطلع القرن الماضي، فقد كان داعية للتحرر متأثرا بموجة التغيير التي سادت تركيا واوربا آنذاك . وكان الزهاوي واحدا من المدافعين عن تحررالمرأة وعن حقها بالعمل وبالمساواة الحقيقية مع الرجل. وكان يرى في الحجاب (النقاب او البوشي) بدعة لا تمت لجوهر الدين باية صلة، بدعة لا تحجب الوجه والرأس فقط بل وتشكل حجابا للعقل ايضا.
وفي هذا الموضوع كتب قصيدته الشهيرة التي كان مما قاله فيها:
إسفري فالحجاب يا ابنة فهر هو داء في الاجتماع وخيم
كل شيء الى التجدد ماض فلماذا يقر هذا القديم ؟
اسفري فالسفور للناس صبح زاهر والحجاب ليل بهيم
وفي قصيدة أخرى عاد الزهاوي الى الموضوع بنبرة اقوى وبموقف اكثر جرأة، مطالبا المرأة حتى بتمزيق الحجاب:
مزقي يا ابنـة العراق الحجابا واسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيـه أو احرقيـه بلا ريثٍ فقد كــان حارســاً كذابا
زعموا أن في السفور سقوطاً في المهاوي وأن فيـه خرابا
كذبـوا فالسفور عنوان طهرٍ ليس يلقى معرّةً وارتيـابـا
كان الزهاوي متقدما على عصره ، وكان يرى في عدم خروج المرأة للعمل تعطيلا لقدرات نصف المجتمع. وقد قال في ذلك :
في الغرب حيث كلا الجنسين يشتغل
لا يفـْضل المرأةَ المقدامةَ الرجــلُ
كلا القرينيــن معتـز بصــــــــــاحبه
عليه إن نـال منـه العجزُ يتـــــــــكل
وكـل جنس لــه نقصٌ بمفـــــــــرده
أما الحيــاة فبــــالجنسيــن تكتمــــل
أما العـراق ففيـه الأمــــر مختلـــف
فقــد ألـم بنصف الأمـــة الشلــــــــلُ
ما احوجنا اليوم لامثال الزهاوي الذي كان متقدما حتى بمقياس زماننا .