ادب وفن

النهر إلى مداه / ناهض الخياط

غنيه يوما جميلا رائعا عذبا
وأسمعينا بما أفتى وما كتبا
وأقرئينا بيانا هزّ هاجعة
من النيام وأذكى صمتها لهبا
وقادها عبر آكام ملبّدة
يخبئ الدربُ فيها الموت والعطبا
فما أمال لها طرفا وما وجمت
منه الخطى أو أعار السمع مرتهبا
وكان يمضي ويندى من أنامله
برءُ الجراح ويطفي طعمُه السغبا
حتى بدا عاريا تبدو ملامحه
خيوط فجر يحاكي لونُها العجبا
سكرانَ من تعب حتى ظننت به
من فرط نشوته لم يبقِ لي عنبا
فغني لي يا حروفي واملئي قدحا
من دمعه المر خمرا رائقا عذبا
فلستُ إلا نديما طال معشره
مع الجراح فما أخفى وما كذبا
و أنت حبلي الذي أرقى به جبلا
من الهموم وألقي تحته التعبا
مرفرفا راية حمراء زاهية
لم يَغشها لون مطعون بما نُسِبا
فالكادحون لها بيت ومدرسة
وألهموها ضروب الفن والأدبا
تطالع الشمسُ فيها أفق مبتسم
ترى لإشراقها من أجله سببا
يعيد آذار فيها يوم معجزة
من الحياة بها يستنبت الحطبا
فيزهر الصخر في أقصى مسالكه
ويمرع الرمل في صحرائه عشبا
ويكسر العدل ميزانا بكفته
فحم يساوي به في كفة ذهبا
ويمسح الدمع عن وجه يغيض به
ماءُ الحياة ويجلو لونَه التَرِبا
به السلام تضم الأرض خيمته
ليزرع الخبز والأحلام والكتبا
ويمرح الطفل نشوانا بفرحته
ويحمَل الشيخُ مزدانا بما وهَبا
ولي وريقات أحلام ملونة
كما الطيور تضم الأفق والسحبا
حمامة أودعتها كف عاشقة
إلى الحبيب رسالات الهوى عتبا
تطوف في كل واد وهي مُشْرعة
على البغاة لسانا مرهفا ذربا
آذار الهمها أن النضال دم
وليس حرفةَ نهّاز ومُكتَسبا
فليس آذار إلا عهد كوكبة
قد طرزته على أكتافها رتبا
في كل عام لنا تزهو بيارقه
حمراء تنشر في آفاقها شهبا
هلاهلا تصعد الدنيا بفرحتها
إلى السماء فتجلي الحزن والوصبا
وينهض النخل في شطآنه جذلا
يراقص الظلُ فيها موجه طربا
بيوته الواطئات السمر شاهقة
فيه انتسابا لمن عن شعبه انتُدِبا
وراح كالنهر يجري في مساربه
إلى مداه يشق الصخر والكثبا
فغنِ لي يا فؤادي واعتصر نغما
مما تبقى فوشل العمر قد نضُبا
وضُمَها راية حمراء مشرقة
بها نبدد عن آفاقنا الحجبا
و أنت تمشي بقلب منك خفقته
لتُسمِع الناسَ ما أفتى وما كتبا