ادب وفن

الفنان مهدي شاوي في معرض للتصوير الفوتوغرافي / احمد بجاي

منذ ان اكتشف العلامة العربي ابن الهيثم انبعاث الضوء من الاشكال المحيطة بنا الى العين المجردة في القرن الحادي عشر الى اكتشاف الكاميرا والتصوير الفوتوغرافي في اواسط القرن السابع عشر ومراحل تطويرها بعد ذلك, كل هذه الاكتشافات العلمية اغنت فن التصوير الفوتوغرافي وطورت ادواته التقنية ما اضفى عليه مجالا واسعا للإبداع في اقتناص الصورة الفوتوغرافية التي قلما يشاهدها المتلقي او ينتبه اليها في زحمة حياته اليومية.
يجب ان تتوفر في الصورة الفوتوغرافية عوامل اساسية اهمها الضوء وانعكاساته على الشيء المراد تصويره ثم زاوية التصوير وعوامل اخرى تجعل منها لغة انسانية مشتركة للمجتمعات رغم اختلافاتها اللغوية والثقافية تماما كالرسم او الموسيقى او غيرها من الفنون, وايضا الميزات الجديدة للكاميرا الرقمية الحديثة وطرق معالجة الصورة بواسطة البرامج الموجودة في نفس الكاميرا او برامج منفصلة مساعدة اخرى كالفوتوشوب مثلا. التقنيات الحديثة ساعدت ودفعت فن التصوير الفوتوغرافي خطوات هائلة الى الامام واصبح جزءا مهما من حياتنا حيث ان الكاميرا متواجدة في ادق تفاصيل حياة الانسان اينما وجد, كاميرات التلفونات الجوالة, الاعلانات والملصقات الجدارية, وسائل الاتصالات المرئية وغيرها.
الابداع في التصوير الفوتوغرافي يتطلب عينا متمرسة في اقتناص اللحظة الزمنية التي لا تنتمي للزمن العيني لرصد شيء ما في السكون او الحركة كما نلمسه في معرض الفنان مهدي شاوي.
ذاكرة كاميرا
افتتح المعرض الشخصي الاول للتصوير الفوتوغرافي للفنان مهدي شاوي على قاعة دار الثقافة في مدينة غوتنبيرغ السويدية بتاريخ 25-02-2017 ولغاية 23-03-2017. تضمن المعرض ( ذاكرة كاميرا) 26 صورة فتوغرافية بقياس 30- 40 سنتمترا دون مساحة الاطار الخارجي, يغلب عليها اللونين الاسود والابيض، بالاضافة الى 10 صور ملونة. استخدم الفنان كاميرا كانون دي 2 ديجتال كما تم الطبع والتحميض في شركة كريمسون السويدية. صور الفنان نبض الحياة في سوق مدينة العمارة الكبير في جنوب العراق, الباعة في محلاتهم العتيقة كالحداد واللحام والباعة المتجولين كباعة الأسماك والعتالين ورواد السوق من نساء واطفال ورجال ووجهاء المدينة.
هناك صورة فتوغرافية ملونة لباب قديم لحمام رجالي لفتت انتباهي في ملصق المعرض, يبدو ان الفنان له قصص مع الابواب الموصدة والمفتوحة كما تناولها في رسم لوحاته بالوان الاكريل في معارض تشكيلية سابقة, باب الحمام موصد وبلونين, الاخضر النباتي والابيض القاني, في اعلاه على جانبي قطعة اسم الحمام وادارته صور لرموز دينية قديمة وحديثة ماتزال تعيش معنا في طقس صوفي يومي, وايضا صور اخرى لشخصيات دينية حية على جانبي الباب. باب الحمام يحتوي على مجموعة اقفال وزخرفة اسلامية على الباب نفسه مضافا اليها القوس الاسلامي اعلى الباب غابت ملامحها نتيجة طلاء الباب وادامته بشكل غير مكترث للقيمة الفنية, الباب منخفض عن مستوى الارض ونشاهد بجلاء تكسر الطبقة الخارجية للجدار قرب الاطار الخارجي للباب ما يشير إلى قدمه. يشكل الباب في اعمال الرسام مهدي شاوي مفردة ذات قيمة فكرية وفنية مستوحاة من تراكم خبراته في الرسم و التصوير الفوتوغرافي, وكما نعرف ان الابواب الموصدة لها اسرارها العصية على البصر والبصيرة وقد تكون لغزا مشوقا لنا لمعرفة اسراره وما يقع خلفه من احداث وحكايا, اما الابواب المفتوحة فهي واضحة ولا تشكل لغزا لنا. هناك ايضا صورتان اثارتا فضولي, الاولى ملونة لمراهق لا يتجاوز عمرة الثامنة عشر والثانية بالأسود والابيض لمراهق آخر تقريبا في نفس العمر. الصورتان متوافقتان تماما مع شروط تصوير البورتريت من حيث التقنية في اظهار ملامح الوجه وتعبيراته ولكن الذي دعاني إلى الوقوف طويلا امامهما هو الاضافة التي ركز عليها الفنان في كسر بعض الشروط في زمن التصوير حيث تعمد على التصوير تحت نور الشمس في منتصف النهار او بعده بقليل حيث تكون الشمس عمودية على الاشكال ولكنه اظهر براعة في اصطياد اللحظة الزمنية والمكانية المناسبتين في اظهار ملامح الوجهين دون الاخلال بالتلقي والادراك عند المتلقي, وهنا ايضا تقصد الفنان عدم اظهار الوجهين بشكل كامل بل تقصد في تصويرهما من اعلى الجبهة بقليل الى اسفل الحنك بقليل مع عزل تقني مبهر لخلفية الصورتين وكأنه يقول للمتلقي" ركز على قوة النظرة والاصرار في مواصلة الحياة رغم كل ما لا يطيقه الانسان من ظلم وألم".
التألم في المجتمع العراقي ظاهرة قديمة تمتد منذ الحضارات الاولى ومازالت الى يومنا هذا, معنى التألم هو عدم تحقيق الرغبات او الحد منها بسبب قوة أخرى معارضة, فعندما تتحد المتضادات كالألم والسرور يكون التألم سارا مبهجا مثلما نلمسه في اغلب الصور الفوتوغرافية وعلى وجه الخصوص في صورتي هذين المراهقين.
أما بقية الصور الفوتوغرافية فهي واضحة ولا تقبل التأويل الا في بعض الجوانب الفكرية العامة . الدلالة في التصوير الفوتوغرافي عادة ما تكون واضحة للمتلقي سواء كان شرقيا او غربيا ولا تحتاج زجها في معضلات فكرية فلسفية كما ورد في ملصق المعرض "التقطت الصور الفوتوغرافية في احدى اسواق مدينة العمارة, جنوبي العراق, حيث النساء والاطفال والشيوخ يزاولون اعمالهم لتعطينا انطباعا عن ثقافة غنية بالألوان الحارة"
ينفذ الفنان شاوي اعماله في الرسم اللا تشخيصي في قبو اسفل بيته, على الاغلب ليلا, ليدخل في حوار مع الذات وما جاورها من الذوات الاخرى والاشياء العالقة بينهما منتجا اعمالا فنية قابلة لأكثر من تأويل بدلالات انسانية مبتعدا عن الدلالات المحلية الضيقة على العكس تماما من وضوح الدلالة في اعماله الفوتوغرافية.