ادب وفن

قراءة في ديوان الشاعر الزجال المغربي نصر الدين خيامي بلمهدي

التجربة هي المشط الذي تهديك إياه الحياة بعد أن تكون قد فقدت شعر رأسك
تقديم 1
الكتابة بنصل السكين
الكتابة عشق، موت دم يسيل من جرح
الكتابة خيط رفيع، رغبة في الكلام بها نتوجع ونعيش ونستمر، نفرح بما نكتب.. تكتب أن تنجذب الى حدث ما، حين تكتب ينكتب دمك ويمتزج بدم الآخرين، حين تكتب تعترف، تقر، وتبوح..من هذا الخيط ما يجعل الكتابة عابرة للقارات صادقة لمسام الجراح متأججة بماء الفيض ماء الحياة
تقديم 2
تعرفت على هذا الاسم الواعد في لقاء بدوارنا جمعتنا ألفة المكان وجسر تعارف امتد سنوات رأيت فيه شابا متوقد الذهن واسع المعرفة ذكيا ليكون حالة متفردة. رغبته في ايصال كلماته وهدفه اسماع صوته وتغيير الحالة التي يعيشها مجتمعه
عرفت أنه ابن مراكش الحمراء وأحد أبنائها البررة وحين أهدى الي احد نصوصه لزجليته الاولى وأسمعني اياها توسمت فيه خيرا جليلا قلت اني تعرفت عليه عن قرب وقلت ان سيرته في نصوصه بمعنى ان ذاته هي نفسها نصوصه انها سيرة رجل يبدع نفسه بنفسه، رجل جدير بالاهتمام والحب والتعاطف ورسم معالم الغد..
ثورته لا تقتصر على صراع داخلي بحت بل يخرج تلك الثورة الى الخارج الى الحياة، هي ثورة الفيسبوك وما ادراك ما الفيسبوك، العالم الافتراضي الذي حطم الحدود وصنع الاوهام وتاريخا جديدا، يصبح حائطا للنشر بمعنى من المعاني جرحا مشتركا يكتب لانقاذ حياته، يكتب لكي يعطي بقاءه معنى الحياة الدائم المنشود..
انه كاتب يعبر المجايلة الى رسم الصراع الحقيقي، ضد الفساد المالي والبيروقراطي والتسلط : الفكري، يعتبر هدفا مرسوما للآخرين شعلة ضوء ورمزا لأحد القادمين من ثقب الارض فلننصت اليه بصبر وامعان وما يتبقى يؤسسه الشعراء.
دلالة العناوين
نصوص نصر الدين خيامي بلمهدي كبيرة مدهشة مسبوكة بالماء، أتذكر احد نصائح ابراهيم اصلان (على الاديب أن يخرج على القارئ مجففا عرقه (يكتب تحت الطلب حتى وان كان عيبا فسره معه، يشارك، يكتب ما تراه عينه وما تلتقطه أذناه من أحداث وفواجع وأفراح بلغة ذكية مميزة دقيقة شاعرة أنيقة متأنقة.. وكأنه لا يوجد الا شيء واحد يعنيه على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
عناوين نصوصه حياة مكتوبة بماء المطر، عناوين مقوسة للنظر وللظن والسخرية أتذكر نصه (المش.. خارة)، إنه كاتب يكتب بدمه يخطه برش الجرح الذي يمتد منه واليه،ينتقد بوصف كاريكاتوري تصبح السخرية كآلية وسلاح كتعبير يمكنه من تصريف الوقائع ويرقى بالحدث الى مستواه الابداعي لذلك يوظف الزجل السخرية تثير الدهشة ساخرا من اختيارات البعض ولان المبدع ضمير المجتمع فهو شارك ويشارك في الحراك الاجتماعي متقرب من البسطاء وشعره صوت لمن لا صوت له، لا يخلو من الرمز والمجاز ودلالات كبرى هدفه ايصال الفكرة لانه يمارس كتابة الجرأة يحمل مشروعاً عنوانه قلق الكتابة،يزيل الشوائب والزوائد نصوص عارية مختزلة يشتعل بالهم الابداعي والجرح الذي يسكنه كما يسكننا.
تقرقب.. ف الطريق
تاه على مسلك الرفيق
كالوا.. منين انت يا هذا
كال.. من بلاد بعيده
قرقب باب الزمان
عروقي فكعانه
تسرط جيعانه
تقرقب على سلوك الحوال
تصيبها غلبانه
شي ينشر ليطاني
وشي يعزي شوفت العين
1) قصيدة : شوفت العين)
..................
وفي قصيدة أخرى : شكون كان يظن
(اها المسالك تييه الشوف
من سياسة الحلوف
تشهق الظلمه
سكتات الكلمه
محصور.. مكسور
كلهى يلغى بلغاه
ونا الغيمه من لغى الناس..
كلمه مجروحه فين النعت
عييت.. عييت
تهديت.. وما طاطيت
تجمع حروفي
تلاقي كلامي
ف جرح الليل
مطوفاني ف زناقي
ها غميضه..
ها قاش.. قاش
ها اللي مات..
ها لي عاش..
عين الشاعر تحتل مكانة قوية في رصد واقعه بحوار ممزوج بذاتية طاغية ولعنة مكتوية بالبحث والكشف، العين مرآة لما تراه العين الأخرى، عين ثالثة مفتوحة وغير مغمضة تفضح تكشف تعري تجمع الحروف وترسم الطريق ولأنه المسؤول والواعي بكل ذلك (مطوفاني ف زناقي) يحدد وجهته بلعبة التطواف ولو كانت غميضة وقاش قاش..
بنفس تهكمي من الواقع الذي تراه عينه وتكشفه كاميراه، عين تندد وتبدد بشكون كان يظن.. انها كتابة الجرأة بأسئلة حارقة تثيرفينا العناوين مقطعة مفصلة في صراخ تهته هي الكتابة ممارستها ضدا في البعض وهي تحكي المأساة الالم والنفي يدعونا الى الانصات اليه الى ذاته الى ثورته العارمة المسكونة بالغضب والتمرد والانعتاق
دلالة النصوص والمعاني :
عالم نصر الدين خيامي بلمهدي عالم موغل مشيد بمعمار مموسق موغل في الذات والذاكرة يؤدي بالقارئ الى التيه والبحث عن المتعة ولا نملك نحن القراء الا الاستمتاع والتلذذ بفواكه غلاله، يسكب دموعا وراء سخرية ممنهجة تعري تفضح، يعرف كيف يؤثر في المتلقي ويشركه في استعمال الاثر الساخر..
وخى فراجه يا ابوناجه
وت غير كول ليا
اش خبار ديك الثريه
واش قدات شي حاجه
نتا واحد خر
بهم مع تكركر
وهيا منين ديك ثريه.
بسخرية ممزوجة قاتله مسمومة طالعه من النفس وهي قفشات مراكشيه تبين مهاريته.. (وانا غير كول ليا) بتمديد سؤال الاعتراف والكر يتمم نصه :
قالو.. طفات
هرمات
ورمات ياناس
كول ليا
هيا اش بغات
واش قدات
معك شي حاجة
وحتى..خراجة.
تليها دمعات معنونه بدمعه جوج راش قاليه
قالو : النهار الثاني راش قاليه
والوراق زجل تشتو ليه
شتك هنا..وشتك الهيه
ما بان حال القصيدة مساوي
يشهد البوهالي..
وزيد الهداوي
ونتا دوى
وكعد راسك
ياع الله العروي
من شريط الشمته..
تكفي لغة المعنى المكشوف في ابيات القصيدة محددة السهم والمعنى والاشارة والفاهم يفهم وأشهد اني لم افهم الا بعد ان استمتعت بدمعته الثالثة على دمعاته تزيده دمعاتك محددا انه لم يكن وحيدا وهو يعاني الاقصاء والتهميش
الاولى آه
الثانية آه
والثالثة
من كلام خاوي
كالو.. هذا.. لهذا
شكون قريه هداوي
بوشعيب الرداد
ولا ع الله العروي
ذاك..الهذاك واناملي
كنشو الحروف ف الكناش
على مساوية قالو.. زجال
قصيدة هاوية
يحدد التهمة وهي شاعر زجال حصل في المصيدة وعلى ضفة الواد يجمعهما الحزن وسر كبير.. انه يستحضر الفكاهة وسهام السخرية في استعارات مبهرة البلدة حارقة لامعة تذيب كرات الثلج المتكورة وتنهمر كما الأمطار شلالا يشعل النيران ويمكن النظر طويلا تجاه الشمس ويكفي لا يكتفي بالنظر ولا يكتفي بالطريقة الاولى بل يعتمد على سرد الحكاية ولعبة الحكي حقائق والى ستائر الوهم وطريقة التسلسل تتدحرج الكحاية بكونها تثير المشاعر وتحول المكنون تشير الى الحقائق الى ستائر الوهم وهي تكبر في ذاته وحوله:
شكون درى وفهم المسألة
فات الخط الهيه
شكون درى
يكون ضمير حي
والفساد مقتول
شكون درى الباطل مظلوم
والحق ظالم
شكون درى
تكمن الاجابة هنا في دلالة الشاعر يحمل هما مزدوجا، بين الهم والحسرة والحرمان:
ليام وسط ليام
هم وحصرة
شكون درى
والإخراج محبوك
شكون درى
حمارنا سخفان
والقواد عيان
شكون درى
تحرك الروح بين الجروح
ويتقلقل الراس المدبوح
شكون درى
بين الإحساس الكامن في الصدر وإعلان التشظي والتحسر، بين المعاناة والهم الذي يحمله الرأس، يكاد ينفجر، لأن اللعبة كاملة والفيلم مسبوك، لا يملك الشاعر إلا أن يطرح السؤال متسائلا... شكون درى يعطي للشعر الإمتداد الذي يستمتعه بين عشاقه وجمهوره خصوصا الطبقات المسحوقة الشعبية الذي يعتبر نفسه لسان حالها والتكلم باسمها.
تركيب:
هناك جوانب صامتة في نصوص الشاعر تستحق أكثر من قراءة وعلى النقد ان يكتشف هذه الأخاديد في البقاع الصامتة فمجموع صوره متداخلة مزدحمة سريعة ما مسوقة تمتزج وتتركب تعتمد صورة كلية تجسد الفكرة داخل إطار زمني ومكاني وبعد ايديولوجي ضمن أصوات متعددة، يبدع نصوصا مفعمة كما قلت بالدلالات والرموز متفرد في لغته الشعرية وله بصمة (مراكشية) خاصة لا يضاهيه فيها أحد في جيله.. والأحداث التي واجهها كانت قوية قوت صلابة شكيمته، تعرضه للاضطهاد والتضييق والحصار والتهميش وشتى أشكال المبالاة دفعته الى التمرد والإختيار إسم أبوالغضب، صلبا قويا مقاوما ساخرا من نفسه ومن الكل أتساءل هل هو شاعر يكتب مرثيته قبل الأوان أتذكر الآن قصيدته عن (الطائر الحر) إعطاء قيمة لشاعر بقامة نصر الدين خيامي بلمهدي ننتظر مماته لكي نقول كان هنا... وكان عندنا..مفخرة لنا.. وتلك هي مصيبتنا لا نحتفي بمبدعين إلا بعد مماتهم.
أجد صعوبة في الكتابة عن زجل نصر الدين الخيامي بكونه بعيد عني (مكانيا) لكني أحس به قريبا بحجاب، أليفا،ساخرا، ساحرا،جميلا،وهنا تكمن الصعوبة أن تكتب عن الآخر فكأنما تكتب عن نفسك عن ذاتك المشتركة.. كان علي أن أنحني قليلا بين الحين والآخر وأصغي إلى همسه صخبه عذابه إلى رؤية مرآته.
أخيرا إن الإشتغال على نصوص الشاعر المبدع نصرالدين خيامي بلمهدي كان الدافع إلي لمساعدته بجرعة من الحب والإحساس أنه صوت قادم واعد كإسم متفرد وموهبة كبيرة في الإبداع والخلق سيطورها بدون شك بالمعرفة والمطالعة ومقارعة النصوص الكبرى أحس بذلك ولا تخونني أحاسيسي بل إن نصوصه تقول ذلك وذلك ما حاولت قوله وكتابته بدون حساسية ولكي أزرع فيه الثقة والأمان قبل إصداره الديوان الذي بدون شك سيثير الكثير من المداد والكلام. مزيدا من الدعم للأصوات الجادة الواعدة، مزيدا من الحب والتقدير.