ادب وفن

الحلم الذي اثقل كاهلي (4) / مزهر بن مدلول

توقفت السيارة بجانب بيت تهدمت حيطانه، وعلمت منهم، بأنّ هذا ما تبقى من بيتنا الكبير!. دخلت الى باحته التي كانت في ذلك الحين واسعة و يتوسطها مربط الفرس. نظرت الى جهة اليسار، فلم اجد اي اثر للغرفة التي بناها أبي بطابقين شاهقين وصبغها بالجص الابيض وكانت تتراءى من بعيد كقمة جبل تغطيها الثلوج.
بدأ اهل قريتنا يتجمعون حولي، وفي عيون اكثرهم اسئلة عن ما جلبه الفارس الجوّال الذي ساح بالأرض بحثا عن الجزر والممالك!. لكني كما ترون، بلا سيف صقيل، ولا حصان، ولا درقة، ولا خوذة محارب، ولا املك سوى ذكرى مغامرة ستجدونها ولا شك مضحكة ومملة حالما اسرد وقائعها عليكم!.
وصلت الى اطراف القرية مجاميع قادمة من قرى اخرى، وبدأ اطلاق الرصاص والهوسات والدوران، هذه الطقوس داعبت خيالي، وبلحظة قصيرة تمنيت لو اقفز في وسط الملعب واضرب قدمي بالأرض واثير زوبعة من الغبار لكي أثأر لنفسي من الزمن الذي ضاع!.
تأملت كل الوجوه على مهل، قليلون هم الذين اتذكرهم، اتذكرهم فقط، لكني لا اعرفهم، ولا رأسي يريد ان يتخلى عن صورتهم القديمة، حتى اقتنعت بانّ كل شيء تم تزويره!.
حتى الليل فقد الكثير من هيبته الجميلة!، فما عاد لليل القرية نهار ولا سماء ولا نجوم، وهذه المصابيح المعلقة في السقوف، تجعلك تشعر بانك محصور في دائرة مسيجة بجدار من الظلام، لقد كان نور (اللالة والفانوس) يأتي مفعما بالحكايات وممزوجا بالأمل ورائحة القهوة.
ظلت ارواح الذين خطفهم الموت، ترفرف فوق وجهي حتى فجر اليوم الثاني. كنت اراهم واسمع اصواتهم وادخل الى بيوتهم، ابتداءً من اول بيت لـ(صالح وشقيقه كسّار) الضرير الذي تفوح من فمه الأغاني ومات من دون ان يكتشف موهبته احد، ومرورا بـ(جويد) الذي كلما رآني قال: ( how are you) ، الجملة التي لم يتعلم غيرها اثناء عمله مع شركات الانكليز، وانتهاءً بآخر بيت لـ (عوفي) الذي سيّج بستانه بطريقة تصعب علينا نحن الصغار اقتحامه!.
هكذا استسلمت لمداعبة الذكريات واغراءات الطفولة والمتع السهلة التي ضاقت بها مخيلتي في هذه الليلة!. كنت احاول ان اتحصن بجدار الماضي، لكي يحميني من الشعور العارم بالفقدان!، لكنّ النهار بات واقفا على الباب ليكشف لي عن خيبة كبيرة!.
يتبـــــــــــــــــ ع