ادب وفن

الحلم الذي اثقل كاهلي (5) / مزهر بن مدلول

بين الحيّز والأفق، مشيت مسافات وأميال، أتبين ملامح زهرة الياسمين التي استوطن اريجها هناك ردحا من الزمن، لكني مثل سركون بولص، لم اصل الاّ الى أين!، وحين ضعت في دوامة الدوران، لجأت الى ذكرياتي التي لولاها لكانت الطريق نحو البلاد مظلمة وموحشة!.
ذهبت الى الحارات الخلفية التي يدخلها الأولياء على اطراف اصابعهم في المنام!، فتوارت جميعها خلف وحشية اصداء الطبول وغزارة المشاهد الرعوية!. سألتهم عن السندريلا وصوت المطر والابواب المشرعة التي تترعرع وراء ستائرها الاسطورة وتكبر!، فكان الردّ: (دوام الحال من المحال)!.
حتى الرجل الوسيم عزيز الشهري، يبست حنجرته وترك مهنة الغناء، مثلما ترك دراجته الهوائية، حين كان يجوب (عكَد الهوا)، يلاحق الذين تعطروا برائحة الحجر الاسود لعله يحظى بدرهم!. ولا أعرف لماذا كان يشعر بأنه من أقبح الرجال، وأنّ فوزه بأنثى من رابع المستحيلات!؟.
بالقرب من (الفلكة)، كان العطّار سيد حسن يبيع السحر والبخور على العربنجية والقرويين، سنوات وهو يحاول قراءة وجوه الزبائن، حتى جاءه طيف في ليلة سبقت ليالي عاشوراء، بأنه ما أن يستيقظ صباحا حتى يجد تحت وسادته كتاب (واقعة الطف)، فيأخذه ويذهب الى قرية اسمها (البيضان)، وفيها سيعثر على كنز!.
ليس دكان سيد حسن وصوته الدافيء وحده الذي اختفى من (الدويرة)، انما جهاتها الاربعة التي كانت تزدحم بالكوميديا الانسانية، اجتاحها (ابو جداحة)، فقذفها في مئات الممرات وجرفت معها (الأوتي) ومقهى حسن فنجان و(اسطبل الخيل) وبيت نجمة عشيقة صديقي الشاعر الاسمر!.
كنت احسب بعد هذه السنين والحروب ودهاليز الموت، ان اجد الشوارع خالية من الناس، وانّ فطومة مازالت تنشر الغسيل على السطوح!، فمن اين تدفقت هذه الحشود البشرية التي دفنت لذة الجوع وكسّرت قيثارة الشجن وصرخت في وجه الوشوشات!؟.