ادب وفن

منظمة "الشيوعي" فتحت للورشة أبوابها تعلم الموسيقى في مدينة "الزعيم" / أكرم الخاطر

من رحم الأصوات والسكوت ولدت الموسيقى، ومن بساتين الفواكه والنخيل أشرقت مدينة الصويرة. بين الاثنين ألف حكاية وحكاية، تبدأ من حكاية تنظيم الأنغام والإيقاعات وأوزانها من حيث الاتفاق والتنافر، ولن تنتهي بـ "سويره"، اسم الأرض المالحة الذي أُطلق عليها لدرء العين والحسد! لا فرق اذن بين فن الألحان وجمال "الصيرة"، وبين المدينة المسورة المحاطة بسور من البساتين وبين لغة التعبير العالمية. لا فرق بين صوت الإنسان والطبيعة والحيوانات والطيور، وبين سحر مدينة "الزعيم عبدالكريم قاسم".
عبدالله عبدالكريم، العازف الجميل يعي ذلك، ويدرك أن لأبناء هذه المدينة الطيبة مواهب فطرية باذخة، كل ما تحتاجه هو يد ماهرة تأخذ بها من متاهة الحيرة، الى عالم الموسيقى الرحب، وهذا ما أقدم عليه بالفعل، فعمل ورشة فنية لتعلم الموسيقى في القضاء، في مبادرة ترفل بحسها الثقافي وبروح وطنيتها المسؤولة، فصدحت أنغام الموسيقى بعزف شبابي من أهالي القضاء المتطلعين بنهم إلى تعلم العزف.
يقول العازف عبدالله عن ورشته:"هي ورشة مجانية لتعليم العزف على الآلات الموسيقية والنظريات الموسيقية الأساسية للشباب، انطلقت من دون تحضير أو تخطيط مسبق. فثمة مجموعة من الشباب تحب الموسيقى، وترغب في تعلم العزف على آلتي العود والكمان، دعتني إلى تعليمها، باعتباري عازفا على عدد من الآلات الموسيقية، وممارسا للتأليف الموسيقي والتلحين، ولي تجارب عديدة سابقة في تعليم الموسيقى بطرق يسيرة مبسطة. استهوتني الدعوة كثيرا، لكون فكرة نشر الموسيقى والسعي إلى تعليمها، تراودني دوما، حد اني لا أدخر أدنى وسع في الذهاب بنفسي عند من يرغب في تعلم الموسيقى وأقدم إليه الدروس. لذا وافقت على الفور".
ويضيف عبدالله:"كنا في البداية نبحث عن مكان يحتضن الورشة، فما كان من منظمة الحزب الشيوعي العراقي في القضاء، إلا ان فتحت أبواب مقرها أمامنا واستقبلتنا على الرحب. وهذا نابع من كون حزب الشيوعيين معروفا برعايته الأدب والفن والجوانب الثقافية بعامة.
وتتضمن الورشة دروسا نظرية في تعليم النظريات الأساسية للموسيقى الشرقية والغربية، وأخرى عملية تشمل تعليم عزف المقامات الموسيقية الرئيسة، وقواعد "الريشة" والتكنيك بالنسبة لآلة العود، وطرق عفق الأصابع على الـ "فينكرس بورد"، واستخراج النغمات. وينطبق الأمر على آلة الكمان، في استخدام القوس وقواعد اليد اليسرى.
أركز في الورشة على الجانب العملي أكثر من النظري، محاولا عدم تشتيت أذهان المتعلمين في الدرس النظري المعقد، والأساليب الأكاديمية الصرفة، باعتبارهم ليسوا من ذوي الاختصاص. وهذا يأتي من كوني أهدف إلى تخريجهم عازفين عمليين متمكنين أكثر منهم نظريين.
استطعت في غضون عشرة أيام، تعليمهم بعض السلالم الموسيقية الغربية، وعزف عدد من المقطوعات القصيرة التي دونتها بأسلوب حرفي مبسط من دون الخوض في تفاصيل التدوين الأكاديمية. واستطاع المتعلمون، نظرا لاندفاعهم في تنفيذ التمارين ساعات طويلة ورغبتهم الملحة في التعلم، أن يؤدوا عزف بعض القطع التراثية.
ويتابع عبدالله:"أسعى إلى تدريس الموسيقى، بأيسر الطرق والوسائل التي يستطيع أن يفهمها المتعلم من دون عناء، وأحرص على متابعة تمارين المتعلمين، تحاشيا للخطأ الذي ربما يقعون فيه لو كانوا بلا متابعة، فالمتعلم لا يتمكن من اكتشاف أخطائه، نظرا لقلة خبرته، وإن وقع، لربما سيرافقه ذلك الخطأ طيلة حياته. وهنا يتضح مدى ضعف أداء المتعلمين المتخرجين في بعض الورش الموسيقية الربحية، لكونهم لا يتلقون متابعة منتظمة ودقيقة من قبل معلميهم".
عبدالله يضيف:"الورشة ستستمر إلى حين اتمام المنهج المقرر، وحتى يستطيع المتعلمون الاعتماد على انفسهم بعد ذلك، في تطوير قدراتهم الموسيقية عمليا ونظريا، وفي تحسس الموسيقى المسموعة، وتحليلها وأدائها على الآلات من دون تدوين جاهز. أي ان من بين ما تستطيعه التمارين التي أقدمها للمتعلمين والتي أسعى إلى تكثيفها، تنمية قدرتهم السماعية في تحسس الموسيقى واكتشاف أنغامها. ونحن جاهزون لاستقبال أي شخص يرغب في تعلم الموسيقى، على شرط أن يمتلك آلة موسيقية. فتعلم الموسيقى لا يجدي نفعا من دون آلة خاصة بالمتعلم، يؤدي عليها تمارينه. ونسعى من خلال الورشة إلى تخريج عازفين يغطون شبه الفراغ الموجود في قضاء الصويرة، فالموجودون لا يتعدى عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، بينهم من شغلته ظروف الحياة عن الفن فتركه، وبينهم من يئس من تطوير موهبته، فأهملها".
وفي نهاية حديثه أوضح عبدالله "أن تعلم الموسيقى يتطلب إصرارا واندفاعا، نظرا لصعوبتها، لذا يتطلب من المتعلم أن يتحلى بالصبر، وأن لا يحبط في محاولاته الأولى، لأن النتيجة المرضية تأتي بعد تراكم في التمرين العملي والدرس النظري".
من جانبه قال المتدرب علاء الفراتي "ان هذه التجربة هي الأولى من نوعها في قضاء الصويرة، وانها خطوة مهمة لتنشيط الحركة الموسيقية في القضاء، ورفدها بالمواهب الشابة، مشيرا إلى ان هناك العديد من الشباب الراغبين في تعلم الموسيقى، ويحتاجون إلى من يوجههم ويساعدهم في تحقيق رغبتهم تلك".
وذكر الفراتي "انه كان الأولى بالمؤسسات الحكومية المعنية، رعاية المواهب الشابة في مختلف الجوانب الفنية، لكن يبدو ان هناك توجها مقصودا نحو إهمال الفن، لا سيما الموسيقى".
وقال المتدرب زكريا ذهب "أن شبابا عديدين يرومون تعلم العزف على الآلات الموسيقية، إلا انهم وبسبب ظروفهم المالية الصعبة، لا يقوون على شراء تلك الآلات التي يعد اقتناؤها شرطا أساسيا للتعلم ومزاولة التمرين. وكان من المفروض على المؤسسات الثقافية الحكومية، أن تستقدم محاضرين موسيقيين وآخرين متخصصين في بقية الفنون، وان توفر الأدوات والآلات اللازمة لها، من أجل الشباب الراغبين في تعلم الفنون، وتنمية مواهبهم".
وأشار المتدربان حيدر علي وأبو الفضل البياتي إلى "انهما أفادا كثيرا من الدروس النظرية والعملية التي تلقوها في الورشة، وانها فرصة جديرة بالاغتنام لتحقيق رغبتيهما الملحتين في تعلم الموسيقى. وقد أبديا عزمهما على مواصلة التمرين الموسيقي".