ادب وفن

حاتم محمد الصكر.. ذاكرة / حميد حسن جعفر

يشكل حاتم محمد الصكر أكثر من مشروع أدبي - شعر قصة رواية نقد، وقد استطاع أن يوفر لنفسه كمثقف أكثر من ركيزة تنتمي إلى المستقبل ،إلى تعدد الاستقبالات ولتعدد الارساليات.
حاتم الصكر خريج كلية الشريعة أي أنه الكائن المتلقي، فضاء من المنهجية المبرمجة للكثير من الأفكار المدرسية الدينية، من نصوص قرآنية ونبوية ومرويات وضمن أحاديث مواقف للصحابة والتابعين وللمؤسسين للتيارات الإسلامية وطوائفها وفتاواها، وتشريعاتها، منطقا وفقها، واحكاما، مقدسا وجائزا ومقارنة ومراجعات، واستقراء للنصوص والسنة عبر قرب هذه المفاهيم وبعدها، من المركز، الجزيرة العربية الأمصار من فضاء العرب، قبائل وشعوبا وموالين عربا واعاجم، بلدانا مفتوحة، وأخرى محررة.
حاتم محمد الصكر الطيب البريء من الممكن أن يعتقد أو يتصور الواقف خارج حراك -حاتم الصكر - أن هذا الرجل لا يمكنه أن يرتكب اثما ما أو أن يدعو إلى الخروج على السائد، أو أن يكون مصدرا للتحريض، وإثارة مكامن الآخر، الكائن الذي لا يتحدث إلا همسا، ،حتى تكاد أن تستفهم منه عما يتحدث أو عما يقول!
لقد كان ينتقد ويكشف من غير أن يتهم الآخر بالخطأ، أو بالعقوق، أو بالجفاء! !
لم يكن هذا الرجل يقرأ ليكتب الشعر حصرا، على الرغم من أن القصيدة استطاعت أن تأخذ منه ومن أفراد عائلته معظم الوقت، لقد كان الشعر يمثل - بالنسبة اليه - أكثر من شاغل -كتابة وقراءة ومتابعة ومحاولات إصدار الآراء والاحكام، إذ أن صحبته للشعر عبر مرحلة الدراسة ما بعد الاعدادية، وفرت له أكثر من امتداد!
نحو العمق، كانت محاولاته في النشر تأخذ مديات أوسع ، فربما كانت - مجلة الهدف -الفلسطينية واقترابه من توجهات وآراء وأفكار القاص والروائي غسان كنفاني ، إضافة إلى علاقاته الحميمة مع مجموعة من المثقفين -حميد الخاقاني - الفلسطيني خليل سلامة وسامي الزبيدي - هذه الينابيع التي تكاتفت لتكون في أول الأمر أكثر من مشغل أدبي استطاع أن يلقي بظلاله على اهتمامات -الصكر!
ورغم هذا لم يستطع الشعر أن يطيح بقراءات منتمية إلى الأحكام والنتائج وبقراءات أخرى يشكل الشعر جزءا يسيرا منها ، إلا أن ما يحيط بالشعر من مصادر ومواقف، من علل ونتائجها هو الفضاء الذي تسبح وسطه أسماك - حاتم الصكر - فقد كان مؤهلا لأن يكون متحركا وسط كومة من التحولات! ورغم ضغوطات المناهج الدراسية، دينية، تراثية، ثوابت ورغم قدرات الأفكار - إفكار الأمة - وضغوطات التاريخ العربي والوطني ومواقفه من الاستعمار والسيطرات العثمانية والأوربية -انكلترا، فرنسا، اسبانيا ايطاليا - تلك الأفكار ودورها في دفع الفرد، الإنسان إلى الانسياق إلى سلطات المقاومة والاتحاد ووحدة الأمة وصولا إلى التطرف وعدم الاعتراف بالآخر رغم ما تفرزه من صرامة وقسوة وضرورة الالتزام المطلق وربما الاستبداد ورغم انتماءات المجتمع إلى الكثير من الانغلاقات والطرق المسدودة، كل هذه التفاصيل و سواها الكثير لم تستطع رغم إصرارها على القبض على تطلعات - حاتم محمد الصكر - وعلى تطلعات سواه من زملائه وأصدقائهم ومعارفه من الشعراء والمثقفين ورغم اندفاع البعض في هذا الاتجاه أو ذاك ، لم تستطع المفاصل تلك - شبه الشاطبة، من أن تحد من طموحاته ، وأن تحجم توجهاته نحو المختلف ،لم تستطع أن تضعه وما تبقى منه في فضاء من -الراديكالية، التشدد والتعصب ، أو إلى الانفلات ، وكل من الطرفين كان يعمل على تحويل الإنسان إلى كائن آخر!
لقد كان حاتم محمد الصكر مشروعا نقديا، توعويا، كان مشروع أفكار وتوجهات تتجاوز المحلية رغم انتمائه اليها - إلى العربية والعالمية ، وقد كان مشروعا لصناعة المثقف الفاعل.
لقد كانت المعرفة والوعي يشكلان أكثر من فرصة ليزيح حاتم محمد الصكر عن ظهره صخرة الثوابت والانغلاقات، ليستبدلها بصخرة الكشف والازاحة لقد كانت فترة الستينات فضاء زمنيا للحركات الطلابية على مستوى العالم والوطن العربي ، وكانت فترة السبعينيات أكثر من كريمة مع حاتم الصكر ، فقد جادت عليه بمجموعة من الأدباء المثقفين – شعراء وروائيين وقصاصين، أصدقاء وزملاء، وتلاميذ، طلبة، فقد كان سعيه لا يتمثل في أن يكون شاعرا فقط أو أن يكون مدرسا لللغة العربية وقواعدها في إحدى الثانويات! لقد أحاط نفسه بمجموعة أفكار تنتمي إلى التطوير، وبطموحات تنتمي إلى المستقبل، لقد كان يشكل أكثر من تربة صالحة للنماء. للذهاب بعيدا في ركب الثقافة ، حيث المعارف وحيث المعاصرة والبحث عن المختلف ليجد نفسه وسط حراك سبعيني ينتمي الكثير منه إلى الهامش أو المهمل، أو المعارض، ولكن بعيدا عن المواجهة والصدامات والالغاء ،رغم وجوده داخل المركز - نظريات ومناهج، مصطلحات ومفاهيم، وتناقضات ، عالم يقف معظمه خارج الوعي والمعرفة، حيث تشكل عملية البحث والاستقصاء أكثر من سبيل للحراك الآمن وسط العاصفة ، هذا المحيط هو ما كان يلف حاتم الصكر ، سواء حين كان مدرسا في مدينة الكوت ، حيث الهامش ، أو حين غادرها إلى بغداد، المركز ،حيث وزارة الإعلام - خبير لغوي في دار ثقافة الطفل "مجلتي و المزمار" وليجد نفسه واحدا من كتاب جريدة الجمهورية، الصفحة الثقافية وضمن حقل أسبوعي ، كل يوم اربعاء، وتحت عنوان -الأصابع في موقد الشعر -
وليجد نفسه كذلك مسؤولا ثقافيا مرة ، ومحررا في مجلة الأقلام مرة أخرى أو متفرغا كليا لإدارة "الطليعة الأدبية" فقد كان يمثل جانبا مهما من جوانب الفعل الثقافي ، النقدي الذي يمور بالتناقضات والرفض ،بالرد و المنع ، فقد كان متابعا جريئا وناقدا، ودارسا ومبشرا بأفكار ورؤى واهتمامات لا تنتمي إلى المتفق عليه أو السائد بل كان الاختلاف و المغايرة يشكلان أكثر من منهج أو مسعى ، فقد كان متحركا وسط مجموعة من المشاريع الثقافية، وقد تكون دراسته الماجستير أكثر هذه المشاريع أهمية وقربا إلى نفسه و طموحات حيث تشكل أكثر من بوابة تصل به إلى أكثر من أفق ، وأول هذه الآفاق، مواصلة الدراسة ، الدكتوراه والتي ستكون هدفه منذ خروجه من العراق متوجها إلى اليمن عام 1995.