ادب وفن

العشق أسماء .. تجلّيات الرومانسية / سوسن إسماعيل

أضعفُ دوماً أمام الكتابة، لا سيما الكتابات الأدبية، أراها عالما جميلاً ومليئاً بالنقاوة لا أستطيعُ أن ألتفّ حوله بشهوة النقد، بل أقعدُ قبالة عيونه بإذعانٍ وتلبية، خاشعاً في تجلّيات ما يبوحهُ ويكتمه.
لقد قضيتُ ليالٍ مُخضلّة بالنشوة مع كتاب "العشق أسماء" للأديب أرشد العاصي ـ حقاً أذهلتني وثبة الشِعر وصَولة الخواطر، كيف للأحرف التي تجرّكَ في سيمياءِ آخر وايقوناتٍ مُدهشة للصور الآسرة والمعاني البهيّة، حاملاً معها قلبكَ على سُرج التأويل، تغدو حثيث الروح كالأديم، تتوضأ بين سطور النصوص بالضوء، المفردة التي شربت من كأس الترداد، و يخامر مشاعركَ بالصفاء في حضرة العشق.
النصوص:
قدّم الشاعر الكتاب من خلال لونينِ من النثر ولكن مبتلّة بماء الشِعر ـ كلّ كلمة مستحمّة بندى القصائد الباهرة: النصوص/‏ الشذرات ـ وبصراحة كان قديراً وبارعاً في اللونين بشكلٍ مُمتع ما يؤكد أننا أمام تجربة ناضجة لكاتبٍ كُرديّ يكتبُ بلغة الضاد.
يقول في أحد النصوص:
"سأقطفُ الشمس/ لأزرعها زهرة في رياض حبكِ/ فتنسى السماءُ صباحاتها/ ويفنى النهارُ والفصول الأربعة .. و سناكِ يكتفي بتلوينِ حياتي/ يملأ هواكِ آنية القلب، يهرول القدرُ نحو التلاقي صارخاً: مُعجزة الحب/ فتتحوَلُ أنفاسُ الغرامِ الى خليجِ خمرٍ/ والمشاعر المطيّبة إلى زورقْ، يستنشقُ اللقاءُ عطر العناق/ وراء ضباب القُبل/ في غياهبِ ليلٍ أزرقْ، فيمطرُ غيوم الشوقِ على أرض الحرمانِ أدمُعها .. تمرُّ البنفسجاتُ في واحة اللحاظ/ تنحني النسائمُ الخُضر بابتسامات الأقحوان/ وتجري في عُمري/ ينابيع التتيّمِ و الشغفْ .."وتكون السماءُ أنتِ/ والعُمرُ أنتِ/ والحياةُ أنتِ/ والمواسم عند بابكِ ستتوقفْ".
ويقول في بعض الشذرات برومانسيّة:
"وأحملُ لكِ بين شفاهي بوح كلمةٍ/ معها غصّاتُ حب ورجفةُ بهجةِ عشقٍ في الحنايا/ وارتعاش الهوى وقشعريرة غرام/ لا تحتويها إلا قُبلة". "وكيف لي أن أبتعد عنكِ/ وأديم الشِعر يهطل/ وابتسامات الصغيراتِ تتوضأ بندى الورود/ وأيادي العشاق تمتدّ نحو سماء المسرّة/ ويهمسُ الغيبُ لي: هل تنسى حينَ أحببتها وجدتَ خلودكَ السرمدي".. "حين أطلق اسمك على إحدى مؤلفاتي/ تعني أني أطلقتُ اسمك على أيسري/ ابتسامتك دليلي إلى رياض تلك الحياة البائسة التي أعيشها/ تعالي .. ألوذ لأملأ غمّازتكِ بقُبلة".
الصورة:
يتخذ الكاتبُ ذلك النهج الذي يعرض صور لافتة من الجمال الصرف في الكتابة باستثناء بعض النصوص، فتنظر في نصوصهِ إلى الصورة الشعرية الخالية من التلميح ومتدفّقة بالوضوح والجلاء، واتت أغلب الصور جديدة ومعجونة بالمفردات المشعّة.
ومرّات حين يحبّ أن يأخذنا الى درايةٍ معيّنة، يختار مفردة ذات دلالة مغرية كي تقودنا الى المعنى فتتلاءم الصورة كاملةً دون أن يشوبها شيء وتندلق المعاني. واعتقد بأن هذه تضلّع الشاعر وسمة من سمات موهبته.
اللغة:
من الجميل أن يكون للأديب طريقة ولغة خاصة في الكتابة، يتفرد بها عن الآخرين من الكتّاب والشعراء، لغة تجيد إجلالكَ و ترشدكَ بودّ وبشاشة إلى كوخ الأديب بهوادة، النص عبارة عن كوخ الكاتب ـ محيّاه، صوته، فؤاده، ذاته، تنهيدته الحارقة وشهيقه القائظ وذكرياته.
في هذا الكتاب الصغير بحجمه والكبير بمعانيه، لمستُ لغة خاصة للكاتب، تبيّن شغف الأديب بالتجربة والجرأة على السبك المكرّر، حيث المفردة مزهرة والتراكيب متجدّدة والجُمل قريبة للقلب والمواضيعُ أخّاذة.
وقد لاحظت أن هنالك مفردات تكرّرت وتجلّت كثيراً في الكتاب: عفراء، العشق، اللازورد، العسجد، الصبوة، المُخمل، الغمّازة، السلاف.
كانت هذه المفردات بمثابة أصل لعديد من النصوص، وهذا لا يقلل من قدْر الكتاب بل يقدّم آصرة جميلة تحيل النصوص والشذرات إلى وريقات عطرة ومتوالفة لإكليلٍ من نرجس الوطن.